الأدب المقارن
تعريف الأدب المقارن:
الأدب المقارن هو علم حديث نوعاً ما بإطاره
وأسسه، يتناول المقارنة بين أدبين أو أكثر ينتمي كل منهما إلى أمة أو قومية مغايرة
للأمة أو القومية التي ينتمي إليها الأدب الآخر، وفي الغالب ينتمي إلى لغة أخرى
غير التي ينتمي إليها ذلك الأدب الآخر. وهذه المقارنة قد تقع في عنصر واحد من
عناصر الأدب، أو في أكثر من عنصر؛ بغية الوقوف على مناطق التشابه والاختلاف بين
الآداب القومية للشعوب المتعددة، ومعرفة الأسباب التي أدت إلى هذا التأثر والتأثير
فيما بينها. وهذه الدراسة المقارنة تعتمد الموازنة الفنية أو الموضوعية بين طرفي المقارنة،
من أجل تحديد مظاهر التأثر أو التاثير، أو من أجل بيان الصورة التي ارتسمت في ذهن
أمة من الأمم عن أمة أخرى من خلال أدبها، أو تتبع نزعة أو تيار فكري ما عبر عدة
آداب مختلفة، إلى غير ذلك من الغايات والأهداف.
وقد يندرج ضمن الدراسات الأدبية المقارنة ملاحظة
التأثير العكسي الذي تركه أدب في أدب آخر؛ كأن يعمد أديب إلى فكرة ما جرى تداولها
في آداب أخرى، فيتناولها في أدبه تناولاً معكوساً متأثراً بثقافته وقوميته. مثال
ذلك شخصية كيلوباترا التي كانت تمثل في الآداب الأوروبية نموذجاً للمرأة المصرية المستهترة المولعة بالملذات،
والتي تتخذ للوصول إلى أهدافها طرقاً ملتوية وغير مستقيمة. تناولها شوقي في
مسرحيته، إلا أنه جعلها مثالاً للشخصية الوطنية المخلصة، التي تقدم حب وطنها على
أي حب آخر.
وبالمجمل فإن الأدب المقارن مهمته رسم سير الآداب في علاقاتها بعضها ببعض،
مع شرح خطة ذلك السير، والمساعدة في خروج الآداب القومية من عزلتها، والنظر إليها
كجزء من التراث الأدبي العالمي.
والدراسة الأدبية المقارنة عرفت مدرستين
اثنتين؛ الأولى تمثلها المدرسة الفرنسية، وهي التي نشأت أولاً، والثانية المدرسة
الأمريكية.
وقد عرّفت المدرسة الفرنسية الأدب المقارن بأنه العلم الذي يبحث ويقارن
العلاقات المتشابهة بين الآداب المختلفة، والتي تنتمي إلى اللغات المختلفة؛ لذا
فهذا التعريف يعتمد الشروط التالية:
1.
اختلاف اللغة: إذ لا بد في الدراسات المقارنة
أن تنتمي الآداب التي تخضع للمقارنة إلى لغات مختلفة. وبالتالي فإن الآثار الأدبية
التي تكتب بلغة واحدة تخرج عن دائرة الدرس المقارن، وإن تأثر بعضهم ببعض. ويعارض
الأمريكيون هذا الشرط لأنه يجعل الأدب الأمريكي والأدب الإنجليزي ضمن دائرة واحدة،
فلا يمكن المقارنة بينهما من منظور هذا العلم.
2.
الصلات التاريخية: لا بد من وجود صلات
تاريخية بين الموضوعات التي تخضع للمقارنة، نشأ عنها تأثر وتأثير. ممّا يلقي على
عاتق الباحث ضرورة الإلمام بكافة الظروف التاريخية للعصور التي يعمل على دراسة
أدبها.
3.
انحصار عمل الأدب المقارن في مجال الآداب
فقط، فلا تدخل في دراستها المقارنة ميادين المعرفة الأخرى.
ومن أشهر أعلام المدرسة الفرنسية فان تيجم
وفرانسوا جويار.
أما أصحاب المدرسة الأميركية فيعرفون الأدب المقارن بأنه دراسة مقارنة بين
أدب معين وأدب آخر، أو مقارنة الأدب بأنماط الفكر الإنساني الأخرى من الفنون
كالنحت والعمارة والموسيقى والرسم، أو الفلسفة والتاريخ والعلوم الاجتماعية
كالسياسة والاجتماع والاقتصاد، أو غيرها من العلوم، أو الأفكار الدينية السائدة.
لأنهم اعتبروا التفكير البشري كلاً متكاملاً ومتداخلاً، فوسعوا إطار العمل في
العمل المقارن.
كما رفضوا اعتماد شرط اختلاف اللغات؛ لأن هذا
الشرط يجعل من الأدب الأمريكي تابعاً للأدب الإنجليزي، في حين أن هذا الأدب صارت
له خصائص ومميزات جعلته يختلف عن الأصول التي نشأ منها. لذا استعاضوا عن شرط
اختلاف اللغات باختلاف البلدان والموقع الجغرافي.
بالإضافة إلى ذلك فقد ألغوا الدراسة التاريخية
التي تبحث في علاقات التأثر والتأثير. لأن الهدف من الدراسة المقارنة في المدرسة
الأمريكية ليس التنقيب في ركام الماضي عن أشياء تنسب العمل الأدبي إليها، بل أن
يكون الاهتمام منصباً على النص الأدبي ذاته نقداً وتقييماً.
ولقد وجه أصحاب المدرسة الأمريكية سهام النقد
إلى المدرسة الفرنسية، عابوا فيها أهم أسسها، فرأوا أن في دراسات التأثر والتأثير
التي مكنت من إظهار ضخامة التأثير الذي مارسه الأدب الفرنسي على غيره من الآداب،
خدمة جلّى لنزعة التباهي والتعالي الثقافي الفرنسي، وهي نزعة قومية توسعية رافقت
في الماضي إيديولوجية الاستعمار لدى الأمة الفرنسية. كما أن خضوع هذه المدرسة
للنزعة التاريخية، وتفسير الظواهر الأدبية على أساس من الحقائق الواقعية، أهمل
جانب التذوق الجمالي لأدب، وجعل الدراسة المقارنة دراسة تاريخية أكثر منها دراسة
نقدية.
وكان من أشهر أعلام هذه المدرسة هنري ريماك ورينيه ويليك.
وقد انتقلت الدراسات المقارنة إلى العربية مع الأكادميين في الجامعات
المصرية، الذين وفدوا إلى أوروبا عامة وإلى فرنسا خاصة، للتخصص في هذا المجال،
فتتلمذوا على يد أحد أشهر أعلامها وهو فرانسوا غويار. وكانت الدراسات المقارنة قبل
ذلك مركزة على العمل التطبيقي دون النظري. ثم تطور الدرس المقارن بعد ذلك في
الاتجاهين النظري والتطبيقي، بعد قيام الموفدون العرب بترجمة الكتب الأجنبية في
هذا المجال. ولم يبتدع المقارنون العرب مذهباً خاصاً في الدرس المقارن، إنما كانوا
ملتزمين في أول أمرهم بأسس المدرسة الفرنسية.
أصول قديمة:
عد الأدب المقارن علماً حديث النشأة لكونه ظهر
في القرن الأخير، في تسميته وأطره النظرية وتعريفاته. ولكن الحقيقة أن الموازنة
بين النصوص الأدبية عرفت منذ أن كان الأدب؛ لأن الموازنة بين الألفاظ والمعاني
وبين المفردات والأساليب يعين المتدربين على الفهم الصحيح للمعاني والصور، ويصقل
حاستهم الفنية. كما أنها قد تجيء عفواً حين يكون التشابه بيّناً واضحاً بين
المعاني والصور لأديبين مختلفين. فيستشعر الدارس هذا التشابه، ويحاول أن يفسر
وقوعه في الأدب.
وقد وجدت الموازنات في الشعر العربي منذ القدم،
فلم يكن سوق عكاظ، والأسواق الأدبية الأخرى إلا محاكم فنية، يُوازَن فيها بين
الشعراء، ويُحكم بالأفضلية لمن يتفوق منهم. وكانت هذه الموازنات ذات طابع فني
جمالي، لم تتجاوز ذلك إلى تتبع المؤثرات، ولم تجعل من احتذاء الشاعر لطريقة غيره
عيباً أو سرقة.
أما في مطلع العصر العباسي، فقد شاع عمل الموازنات بين الشعراء، وأصبحت
سبيلاً للمفاضلة بينهم حين يتنازع أهل الادب واللغة في أيّهم أشعر. فوازنوا بين
جرير والفرزدق والأخطل، وأبي تمام والبحتري، ولم تتجاوز هذه الموازنات حدود البيت
المفرد، والفكرة المنعزلة. ثم جاء الآمدي (371هـ)، الذي ألف كتابه "الموازنة
بين الطائيين"، حاول فيه المفاضلة بين أبي تمام والبحتري، من خلال دراسة نصوص
فنية لكلا الشاعرين، ولكن مع اتساع الكتاب، والإطناب في الحديث والتوسع في
الموضوعات، لم يستطع الآمدي الخروج عن دائرة الموازنة الجزئية.
ثم جاء ابن الأثير (637هـ) الذي وازن في كتابه
"المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر" بين قصيدتين في وصف الأسد للبحتري
والمتنبي، وبين قصيدتين في الرثاء لأبي تمام والمتنبي، فقدم دراسة موازنة تناولت
مقطعاً فنياً متكاملاً، خرج فيها من دائرة الجزئية التي تتوقف عند بيت معين أو فكرة
محددة لتشمل القصيدة كلها.
وفي العصر الحديث لم تتوقف الموازنات عند بيت
شعري أو قطعة أدبية، أو شاعر وآخر فحسب، بل امتدت لتشمل الموازنة بين عصر وآخر،
للتوصل إلى القوانين التي كانت تحكم إبداع كل فترة، وإبراز الخصائص التي اتصف بها
كل عصر، وإدراك التطور الذي أصاب بعض الأنواع الأدبية وأدى إلى اختفائها، أو إلى
ظهور أنواع جديدة.
نبذة تاريخية عن نشأة الأدب المقارن:
في أوائل القرن التاسع عشر شهدت فرنسا ولادة
الأدب المقارن كفرع من فروع المعرفة الأدبية، عندما ألقى فرانسوا نويل وبعض
مساعديه محاضرات في الأدب المقارن في جامعة السوربون، تركزت معظمها على الآداب
الفرنسية واللاتينية والإنجليزية والإيطالية. ثم جاء بعده أبيل فيلمان الذي وقف في
محاضراته عند التأثيرات المتبادلة بين الأدبين الفرنسي والإنجليزي، وتأثير الأدب
الفرنسي في إيطاليا، مستخدماً مصطلح الأدب المقارن صراحة. وكذلك جان جاك آمبير
الذي تحدث عن علاقة الأدب الفرنسي بالآداب الأجنبية في القرون الوسطى.
ومع منتصف القرن التاسع عشر كان الأدب المقارن
قد أخذ مكانه بين العلوم المعرفية، ولكن دون أن يستقل عن الدراسات الأدبية، ثم أخذ
في الانتشار والتوسع خارج فرنسا ليشمل سويسرا وألمانيا وإنجلترا، ثم أخيراً
الولايات المتحدة، والتي لم تكن بعيدة عن تطور الدراسات المقارنة.
وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى توسعت
الجامعات الفرنسية في تدريس الأدب المقارن، فافتتحت له فرعاً خاصاً، واقترح بول
فان تييغم، الذي كانت له دراسات في هذا المجال، تأسيس جمعية عالمية لتاريخ الأدب
الحديث.
وبعد الحرب العالمية الثانية أصبح للأدب المقارن
نظرية واضحة المعالم ومتكاملة الأبعاد. وقد سهل التطور الحضاري في حصول التلاقي
بين الآداب المختلفة وانتقال الثقافات بين البلدان؛ إما عن طريق الاتصال المباشر،
أو عن طريق الترجمة والنشر. كما ساعدت المنتديات الأدبية في تعرف الأدباء بعضهم
على بعض، وتبادل الأفكار والثقافات فيما بينهم مما أغنى مادة الأدب المقارن بكثير
من المقارنات والدراسات.
الأدب العام والأدب العالمي:
اختلط مفهوم الأدب المقارن قديماً بمفهوم
الأدب العالمي والأدب العام، ثم أصبح الأدب العام يطلق غالباً على الكتابات التي
تتناول دراسة الاتجاهات والظواهر الأدبية المشتركة والمتزامنة بين مختلف الآداب،
دون النظر إن كان ثمة تأثر وتأثير متبادل أم لا.
ويرى فان تييجم أن من مهمات الأدب العام
الأساسية هي أن يحصي الوقائع الأدبية من مختلف البلدان، والتي تكشف عن مشابهات
حقيقية. فيحاول أن يفسر هذه المشابهات من خلال العلل المشتركة الفكرية والعاطفية
والمادية التي أنتجت مثل هذا التشابه. مثال على ذلك: دراسة الحالة الاجتماعية
والميول الأدبية السائدة في أواخر عصر النهضة والتي نتج عنها التصنع والتكلف في
العملية الفنية عند عدد من الأدباء الغربيين.
فالأدب العام يدرس الظواهر الأدبية الجماعية؛
سواء كانت تيارات عالمية صدرت ابتداءً عن كاتب ما أو مجموعة من الكتاب ثم تسربت
إلى عدد من البلدان. فيلاحقها عندئذ الأدب العام في كل مكان تسربت إليه، ويبين من
تأثر بها من الأدباء، مهما كان نوع هذا التأثر سواء باقتباس الفكرة والاتجاه أو
بتقليد أسلوب الكتابة والتعبير أو باعتماد الشكل الفني أو باتباع طريقة المعالجة
وأسلوب التأثير.
كما يدرس الاتجاهات المشتركة والمتعاصرة، والتي
وقع التشابه فيما بينها عفواً، دون أن يكون وليد تأثر وتأثير. وهذه الدراسة خارجة
عن نطاق الأدب المقارن في مفهومه الفرنسي الكلاسيكي. ومهمة الأدب العام في ذلك أن
يجمع هذه المشابهات، ثم يصنفها ويفسرها ويردها إلى أسبابها.
فيكون الأدب العام في مستوى ثالث بعد الأدب القومي الذي يهتم بدراسة أدب
أمة ما، والأدب المقارن الذي يبحث في الصلة بين أدبين مختلفين. وتكون دائرة الدراسة
فيه أوسع لأنها تضم عدداً أكبر من الأمم والبدان. كما أن الدراسة فيه تقسّم على
حسب العصور والتيارات الفكرية والأجناس الأدبية، لا على حسب الأمم وآدابها.
ولكن مما يؤخذ على هذا النوع من الدراسات أنها
تخرج عن نطاق درس النصوص وتمحيصها إلى ميدان التجريد العقلي الفلسفي. وهو أخطر ما
تتعرض له الدراسات الأدبية التي يجب أن تستمد أصولها من الإنتاج الأدبي ذاته. وهذا
الفارق الجوهري هو الفاصل بين الأدب بوصفه إنتاجاً فنياً، وبين العلوم الفلسفية
والاجتماعية ذات الاتجاه العقلي التجريدي. فمن الممكن وضع تاريخ عام للفلسفة أو
العلوم العقلية، لأن ميدان البحث فيها هو الأفكار وحدها. ولكن الأدب مادته الأفكار
الخاصة والمشاعر الذاتية والتعبيرات المصاغة في قوالب فنية.
أما الأدب العالمي فموضوعه الأعمال الأدبية
التي أنتجتها القرائح من مختلف بلدان العالم، ثم ترجمت إلى لغات مختلفة، فارتقت
إلى مصاف الروائع المعترف بقيمتها الفنية أو الفكرية لدى شعوب العالم. ولما كان جل
دراسات الأدب المقارن تتعامل مع نماذج أدبية استطاعت الوصول إلى الشهرة العالمية
الواسعة وقع الخلط بين المصطلحين.
وكان جوته أول من أثار قضية الأدب العالمي،
عندما تخيل أن الآداب المختلفة يمكن أن تتجمع كلها في أدب واحد كبير يطلق عليه اسم
الأدب العالمي.
ولعل الذي دفع جوته إلى هذا التفكير أنه كان مجيداً للآداب الغربية،
ومطلعاً على الآداب الشرقية، فكان مثالاً للثقافة العالمية التي تضم الشرق والغرب.
بالإضافة إلى اتجاه ساد في ألمانيا يرمي إلى اتخاذ ألمانيا مركزاً للثقافة
العالمية والفكر الإنساني، كوسيلة للهيمنة السياسية والعرقية. مما جعل فكرة الأدب
العالمي لا ترتبط فقط بالعبقرية الفنية بل أيضاً بظواهر غير أدبية تساعد في
الهيمنة الحضارية.
عالمية الأدب وعواملها:
عالمية الأدب تعني خروج الآداب من حدودها
القومية الضيقة، طلباً لكل ما هو جديد، بحيث يتطلع الأديب إلى إثراء أدبه وتغذية
فكره بالاطلاع على الآداب الأخرى، فيأخذ منها ما ينفعه ويلقى قبولاً لدى أمته.
وهذا التلاقح من شأنه أن يغني الآداب ويدفعها نحو التنوع والنمو. وثمة عوامل أخرى
غير رغبة الأديب في إثراء أدبه، من شأنها أن تفتح نطاق الأدب القومي إلى آفاق
أوسع، وهي:
1.الهجرات
الجماعية للشعوب من بلدهم إلى بلد آخر، مما يؤدي إلى التأثير في أدب ذلك البلد
وفكره الفني. كالأندلسيين الذي رُحلوا عن أسبانية فنقلوا ثقافاتهم وتراثهم إلى
المواطن الجديدة التي انتقلوا إليها.
2.الحروب:
تساهم الحروب في حصول تبادل ثقافي بين الغالب والمغلوب.
3.انتشار
المؤلفات والترجمات، فالكتاب كالطرد البريدي يحمل إلى قارئه ثقافات الشعوب
ونظرياتهم الأدبية، فينهل منه ما يلقى قبولاً لديه، ثم يلون أدبه بألوان الثقافات
المتنوعة.
4.دراسة
اللغات؛ مما يتيح للدارس الاطلاع على آداب الأمم الأخرى وثقافاتهم وعاداتهم التي
يعبرون عنها في نصوصهم اللغوية والأدبية.
5.المترجمون
والوسطاء من رجال الأدب؛ إن ثقافة المترجم وأسلوبه الجذاب من شأنه أن يساهم في
انتشار ما يترجمه من آداب الأمم الأخرى. كما أن رجال الفكر والأدب المطلعين على
مختلف الثقافات، قد يساهمون في نقل الأفكار والأساليب الأدبية المقتبسة من الأمم
الأخرى إلى أبناء أمتهم.
عدة الدارس للأدب المقارن:
إن الباحث في الأدب المقارن يقف في منطقة الحدود المشتركة بين الآداب
المختلفة، يبحث في تبادل الصلات فيما بينها، ويكتشف التيارات العامة التي كانت خلف
تلك المبادلات، وآثار ذلك في رجال الأدب. لهذا يجب أن يكون الباحث واسع الأفق،
قادراً على دراسة ما يعرض له دراسة علمية. ومع أن لكل دراسة مقارنة ملابساتها
الخاصة، لكن ثمة أمور عامة يحب أن يلم بها من يتناول هذا النوع من الدراسات، وهي:
1.الدراسات
التاريخية: لا بد لمقارن الآداب أن يتجهز بثقافة تاريخية كافية تعينه على فهم
الأحداث وتطوراتها والعلاقات الإنسانية بين الشعوب المختلفة، كما تكشف عن الأحداث
التي أثرت في اتجاهات الأدب المختلفة.
ومن الدراسات التاريخية الوقوف على سير
الأبطال التي ألهمت الأدباء، والنماذج الأدبية المعروفة عند كل أمة وأشهر كتابها.
فلدراسة نشأة الأدب الفارسي بعد الفتح العربي
مثلاً، لا بد من دراسة ألوان النزاع السياسي والعرقي الذي كان قائماً بين الفرس
والخلفاء العباسيين، ودراسة نشأة الحركة الشعوبية وطبيعتها، ونحو ذلك مما يظهر
آثاره في النصوص الأدبية.
2.الإلمام
بلغات الأداب المقارنة؛ لكي يتمكن الدارس من قراءة النصوص المختلفة بلغاتها
الأصلية؛ لأن الاعتماد على النصوص المترجمة لا يسمح بتقييم التأثر والتأثير على
الوجه الصحيح، إذ لكل لغة خصائص وروح لا تفهم ولا تتذوق إلا بقراءة نصوصها
الأصلية. والترجمات تختلف فيما بينها، فتارة تكون دقيقة أمينة، وتارة يتصرف فيها
صاحبها. ولكي نستطيع الحكم على تأثر كاتب في أدب لغة ما وتحديد هذا التأثير، يجب
أن نقارن نص الترجمة بأصوله في لغته التي ألف بها، على نحو ما تتطلبه الدراسات
الدقيقة.
3.الإحاطة
بعدد كبير من الآثار الأدبية الكبرى في العالم، كرسالة الغفران ومسرحيات شكسبير
وكليلة ودمنة والشاهنامة وغيرها؛ لأنها تشكل منابع استقى منها كثير من أهل الأدب.
4.الإلمام
بالمراجع العامة التي تعين في البحث. فعلى سبيل المثال إذا ما أراد دارس البحث في
الصلات الأدبية العربية الفارسية عليه أن يبحث في النصوص العربية في كتب الأدباء
والمؤرخين، ممن كتبوا بالعربية وهم من أصل فارسي، أو النصوص الأدبية المكتوبة
بالفارسية والتي ترجمت عن العربية، أو حوكي فيها أصل عربي أو تأثرت به.
5.معرفة
طريقة البحث والمقارنة، فللبحث في الآداب المقارنة شروطاً يجب اتباعها تتلخص في
الخطوات التالية:
أ.تحصيل الوسيط أو الدليل التاريخي الذي يكشف عن علاقات التأثر والتأثير
بين الموضوعين المراد مقارنتهما. والذي قد يكون اعتراف كاتب ما أنه أخذ من هذا
الأدب أو تلك الثقافة. أو وجود كتب مترجمة لأديب ما بلغات أخرى، كترجمة رسائل
فولتير الأديب االفرنسي باللغة الإنجليزية. أو ظهور قواميس ومعاجم تضم ألفاظ لغتين
من اللغات أو أكثر، كوجود القاموس اللاتيني الإيطالي الفرنسي في عام 1735م، مما
يدل على انتشار الإيطالية في فرنسا في القرن الثامن عشر.
ب.عرض ملخص للموضوعين مع التركيز على النقاط الرئيسية فيهما.
جـ. نبدأ بالعمل المقارن فنذكر أوجه التشابه ثم أوجه الاختلاف في الفكرة
والشكل، مع بيان المبتكر للموضوع والمقلد المتأثر، ومدى تمادي المقلد في تقليده،
أو تغييره في العمل، أو توظيفه للفكرة السابقة وإخراجها في ثوب جديد.
د. نختم بخاتمة نضمنها فكرة جامعة أو نتيجة حتمية نستخلصها من دراستنا
للنصين.