JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

recent
عاجل
Home

الإيقاع الشعري وبحور الشعر

 

الإيقاع الشعري





تعريف الشعر العربي:

   الشعر فن أدبي يخاطب العاطفة ويستثير المشاعر ويحرك الوجدان، يراعى فيه حسن الخيال وجودة التصوير ودقة التعبير وحسن النغم، كما يُعمد عنده إلى تخير الألفاظ، والتأليف بينها على نحو مميز، فتتوالى مقاطعه وتنسجم أقسامه مكونة نغماً جميلاً وموسيقى عذبة. ولقد كان الشعر عند العرب أول صدوره عن رغبتهم في الغناء. قال ابن رشيق القيرواني: "كان الكلام كله منثوراً، فاحتاجت العرب إلى الغناء بمكارم أخلاقها، وطيب أعراقها، وذكر أيامها الصالحة، وأوطانها النازحة، وفرسانها الأنجاد([1])، وسمائحها الأجواد؛ لتهز أنفسها إلى الكرم، وتدل أبناءها على حسن الشيم، فتوهموا أعاريض جعلوها موازين الكلام، فلما تم لهم وزنه سموه شعراً؛ لأنهم قد شعروا به، أي فطنوا".

   لذا عرف القدماء الشعر بأنه الكلام الموزون المقفى، فدللوا عليه بما امتاز به من اللحن والنغم، قال ابن قدامة: "حد الشعر... أنه قول موزون مقفى يدل على معنى". وفضلوه على غيره من فنون القول لأجل هذه الصفة فيه، وأدركوا أن التنغيم يعين على الحفظ والترديد أكثر من الكلام المنثور الخالي من التلحين، فضلاً عما يحدثه في النفس من استثارة للمشاعر واستنهاض للهمم، كالحداء للإبل يستحثها على المسير. قيل لأحد الشعراء العباسيين: "لِمَ تؤثر السجع([2]) على المنثور، وتلزم نفسك القوافي وإقامة الوزن؟ قال: إن كلامي لو كنت لا آمل فيه إلا سماع الشاهد([3]) لقلّ خلافي عليك([4])، ولكني أريد الغائب والحاضر، والراهن والغابر([5])، فالحفظ إليه أسرع، والآذان لسماعه أنشط، وهو أحق بالتقييد وبقلة التفلت. وما تكلمت به العرب من جيد المنثور، أكثر مما تكلمت به من جيد الموزن، فلم يحفظ من المنثور عشره، ولا ضاع من الموزون عشره".

 

موسيقى الشعر:

   الشعر إنما امتاز بموسيقاه وألحانه، ولحن الكلام مقبول مقدم، ولحن الآلات متروك ساقط، قال ابن رشيق: "زعم صاحب الموسيقى أن ألذ الملاذ كلها اللحن، ونحن نعلم أن الأوزان قواعد الألحان والأشعار معايير الأوتار لا محالة، مع أن مهنة صاحب الألحان واضعة من قدره، مستخدمة له، نازلة به، مسقطة لمروءته، ورتبة الشاعر لا مهانة فيها عليه، بل تكسبه مهابة العلم، وتكسوه جلالة الحكمة". إذا ما تكلم فيه بالعلم والحكمة.

   وموسيقى الشعر تساهم مع اللغة والصورة والمعاني المتواردة جميعها في الإيحاء بالجو العام للقصيدة، فالنغم يحمل دلالة شعورية عامة تفصح عنها الألفاظ والمعاني. وهو يرد على الشعر من موضعين: من إيقاعه الخارجي المتمثل في وزنه وقافيته، ومن إيقاعه الداخلي المتمثل في أصوات ألفاظه وطريقة انتظامها في البيت الشعري.

 

1.   الإيقاع الخارجي، وينشأ عن:

 

أ‌.       الوزن العروضي: هو تساوي الأبيات في عدد المتحركات والسواكن وترتيبها على نحو يحقق وحدة النغم في القصيدة، الغرض منه تحريك العواطف وإثارة الحماسة، وأن يوافق النغم المعنى في حركاته النفسية، بحيث يشكل قالباً صوتياً للمعنى. لذا يتم في الغالب اختيار البحر بما يتناسب والحالة النفسية المصاحبة للشعر.

   وأوزان البحور في العربية هي:

البحر الطويل:

 وسمي بذلك لمعنيين؛ أحدهما أنه أطول بحور الشعر، إذ ليس في الشعر ما يبلغ عدد حروفه ثمانية وأربعين حرفاً غيره، والثاني أن الطويل يقع في أوائل أبياته الأوتاد (والوتد يتألف من متحركان وساكن)، ثم الأسباب (والسبب هو ما تألف من متحرك فساكن أو من متحركين)، والوتد أطول من السبب. ومفتاحه:

   طويل له دون البحور فضـــــائل     فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن

   والبحر الطويل هو من أكثر الأوزان شيوعاً، لاتساعه لمختلف الأحوال النفسية؛ فهو يتناول الغزل الممزوج بالحسرة، والحماسة التي يخالطها شيء من الإنسانية، والرثاء الذي يُتوسع فيه بذكر مآثر الميت مبالغة في الأسف عليه والحزن لفقده، وسائر الأقوال مما يدل على التأمل والتفكر، ويشتمل على التشبيهات والأوصاف ونحوها. وبالمجمل فإن موسيقى البحر الطويل يلفها حال من الوقار والتأني. ونغمه من اللطف بحيث لا يُشعر به، فتكون دندنته مع الكلام بمنزلة الإطار الجميل من الصورة، يزينها ولا يشغل الناظر عن حسنها. ومثال الطويل من الشعر قول متمم بن نويرة في رثاء أخيه مالك:

   لَعمري وما دَهري بتأبينِ هالــــــــــــــــــــــــــكٍ     ولا جَزعٍ مما أصابَ فأوجَــــــــــــــــــــــــــــــــعا

   لقد كَفَّنَ المِنهالُ([6]) تحتَ ردائــــــــــــــــــــــهِ     فتى غيرَ مِبطانِ العَشِيَّاتِ أروَعــــــــــا([7])

   لبيبٌ أعانَ اللُّبَ منه سماحــــــــــــــــــــــــــــــةٌ     خَصيبٌ إذا ما راكِبُ الجَدبِ أَوضَعا([8])

   تراه كصدرِ السيفِ يهتزُّ للــــــــــــــــــــــندى     إذا لم تجِدْ عند امرئ السوءِ مَطمَــعا

   وما كان وَقَّافاً إذا الخيلُ أجْحَمَتْ([9])     ولا طائشاً عندَ اللقاءِ مُدَفَّــــــــــــــــــــــــــــــــــــــعا([10])

   وعِشْنا بخَيْرٍ في الحياةِ وقبـــــــــــــــــــــــــــلَنا     أصابَ المنايا رَهْطَ كسرى وتُبَّـــــــــــــــعــا

   وكنا كنَدْمانَيْ جَذِيمةَ([11]) حِقْبـــــــــــــــــــــةً     من الدهرِ حتى قيلَ لن يَتَصدَّعـــــــــــــــا

   فلما تَفرَّقْنا كأنـِّــــــــــــــــــــي ومالـــــــــــــــــــــــــــكاً     لطولِ اجتماعٍ لم نَبِتْ ليلةً مـــــــــــــــــــــعاً

   تقول ابنةُ العَمْرِيّ ما لكَ بعـــــــــــــــــــدما     أراكَ حَدِيثاً ناعمَ البالِ أَفْرَعـــــــــــــــــــــــــــــــا([12])

   فقلتُ لها طولُ الأسَى إذ سألتِنـــــــــــي     ولَوعَةُ حُزنٍ تترُكُ الوجهَ أسْــــــــــــــــــــفعا([13])

   وفَقْدُ بَني أمٍّ تَداعَوا فلم أكـُــــــــــــــــــــــــــــــــــن     خِلافَهُم أنْ أستِكينَ وأضْــــــــــــــــــــــــــــرَعا

   قَعيدَكِ([14]) ألا تُسمِعيني مَلامَـــــــــــــــــــةً     ولا تَنْكَئِي قَرْحَ الفؤادِ فَييْجَــــــــــــــــــــــــــــــعا

   فقَصرَكِ([15]) إني قد شَهِدتُ فلـم أجِدْ     بكَفِّيَ عنهمْ للمنيّةِ مَدْفَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــعا

   سقى الله أرضاً حلَّها قبرُ مالـــــــــــــــــكٍ     ذهابَ الغَوادي المُدْجِناتِ فأمْرَعــــــــا([16])

   فوالله ما أُسقي الديارَ لِحُبّـــــــــــــــــــــــــــها     ولكنني أُسقِي الحبيبَ المُوَدِّعـــــــــــــــــــا

   تحيّتُهُ مِنّي وإنْ كان نائِــــــــــــــــــــــــــــــــــــياً     وأمسى تراباً فوقَه الريحُ بَلْقَــــــــــــــــــــــــــعا

   فهذا الشعر لا يكاد قارئه يحس بموسيقاه، التي تماهت مع لفظه، حتى لكأنهما شيئاً واحداً، فلحنه لا يرتفع على لحن ألفاظه، بل يسير بها على نحو خفي. فهذه الأبيات لها رنة موسيقية قوية، غير أنّها مع قوتها كالمنزوية وراء كلام الشاعر ومعانيه، فلا تزاحمها إلى سمعك بالجلبة والطنين كما تفعل رنة الكامل ورنة الوافر.

   ومن أمثلة البحر الطويل أيضاً قول الإمام الشافعي في التأمل والحكمة:

   بلوتُ بني الدنيا فلم أرى فيهــــــــــــــــــمُ     سوى مَن غدا والبُخلُ مِلء إهابِــهِ

   فجرَّدتُ من غمدِ القناعَةِ صارمــــــاً     قَطَعتُ رجائي منهمُ بذُبابِــــــــــــــــــــــــــــــهِ([17])

   فلا ذا يراني واقفاً في طريقِـــــــــــــــــــــــــهِ     ولا ذا يراني قاعداً عندَ بابِـــــــــــــــــــــــــهِ

   غنيٌّ بلا مالٍ عن الناسِ كُلِّـــــــــــــــهِم     وليس الغنى إلا عن الشيء لا بهِ

   إذا ما ظالمٌ استحسنَ الظُلمَ مَذهباً     ولَجَّ عُتُوّاً في قبيحِ اكتِسابِــــــــــــــــــــــــــــهِ

   فَكِلهُ إلى صَرفِ الليالي فإنَّــــــــــــــــــها     ستُبدي له ما لم يكن في حسابِـــــــهِ

   فَكَم قد رأينا ظالماً مُتَمـــــــــــــــــــــــــــــــــرِّداً      يرى النجمَ تيهاً تحتَ ظِلِّ رِكابِــــهِ

   فعمَّا قليلٍ وهو في غَفَلاتِـــــــــــــــــــــــــــهِ     أناخَت صُروفُ الحادثاتِ ببابــــــــــــــهِ

   فأصبحَ لا مالٌ له ولا جاهٌ يُرتَجى     ولا حسناتٌ تلتقي في كتابِــــــــــــــــــــــــــهِ

   وجوزِيَ بالأمرِ الذي كان فاعــــلاً     وصَبَّ عليهِ اللهُ سوطَ عذابِــــــــــــــــــــــــهِ

   نرى في هذه الأبيات تآلفاً بيِّناً بين موسيقى البحر الطويل وما فيها من وقار وتأني والجو التأملي المعبر عن خلاصة التجربة الإنسانية للإمام الشافعي.

   ومن ذلك أيضاً قوله:

   خَبَت نارُ نفسي باشتعالِ مفارقـــــــــــــي     وأظلَمَ ليلي إذ أضاءَ شِهابُـــــــــــــــــــــها

   أيا بومةً قد عشَّشَت فوق هامتــــــــــــــي     على الرغمِ منِّي حينَ طارَ غُرابُها

   رأيتِ خرابَ العمرِ منِّي فزُرتِنــــــــــــــــــي     ومأواكِ من كلِّ الديارِ خرابُـــــــــــــــــــها

   أأنعَمُ عَيشاً بعد ما حلَّ عارضِـــــــــــــــي     طلائِعُ شيبٍ ليس يُغني خضابُــها

   إذا اصفرَّ لونُ المرءِ وابيضَّ شـــــعرهُ     تنغَّصَ من أيّامه مُستطابُــــــــــــــــــــــــــها

   فدَع عنكَ سوآتِ الأمورِ فإنَّـــــــــــــــــــــــــها     حرامٌ على نفسِ التقيِّ ارتكابُـــــــــــها

   وأدِّ زكاةَ الجاهِ واعلم بأنَّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــها     كمِثلِ زكاةِ المالِ تمَّ نِصابُـــــــــــــــــــــها

   وأحسنْ إلى الأحرارِ تِملِك رقابَهـــــــــــم     فخيرُ تِجاراتِ الكرامِ اكتسابُـــــــــــــها

   ولا تمشيَن في منكِبِ الأرضِ فاخراً     فعمَّا قليلٍ يحتويكَ ترابُــــــــــــــــــــــــــــــــــها

   ومن يَذُقِ الدنيا فإنِّي طَعِمتُــــــــــــــــــــــــها     وسيقَ إلينا عذبُها وعذابُــــــــــــــــــــــــــها

   فلم أرَها إلا غروراً وباطـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلاً     كما لاحَ في ظَهرِ الفلاةِ سرابُـــها

   وما هي إلا جيفةٌ مستحيــــــــــــــــــــــــــــــــلةٌ     عليها كِلابٌ همُّهُنَّ اجتذابُــــــــــــــــها

   فإن تَجتنِبها كنتَ سِلماً لأهلِـــــــــــــــــها     وإن تجتَذِبها نازعَتكَ كلابُــــــــــــــــــها

   فطوبى لنفسٍ أُولِعَت قعرَ دارِهـــــــــــا     مُغلَّقةَ الأبوابِ مُرخىً حجابُــــــــها

   فهذه الأبيات الحكمية ساهم النغم اللطيف للبحر الطويل في نسج جوها المتأمل الحزين الذي يرى فيه الشاعر الأمور على حقائقها فيجيد تصوير أحوالها. كما ساهم طول نفس هذا البحر في الإعانة على رسم الصور البيانية الجميلة من الاستعارة والتشبيه وغيرها، كنحو "أضاء شهابها" و"طار غرابها" و"من يذق الدنيا فإني طعمتها" و"ما هي إلا جيفة مستحيلة". كما مكّن الوزن الشاعر من الاسترسال والتوسع في رسم أبعاد أحواله وهو يقف على أعتاب الشيخوخة، وحقيقة الدنيا والمتكالبين عليها، بوصف دقيق أجادت فيه ريشته الفنية كل إجادة.  

البحر البسيط: سُمي بسيطاً لأن الأسباب انبسطت في أجزائه السباعية، فحصل في أول كل جزء من أجزائه السباعية سببان، وقيل: سُمي بسيطاً لانبساط الحركات في عروضه وضربه. ومفتاحه:

   إنّ البسيط لديه يبسط الأمــــــــــــل     مُستَفعِلن فَعِلن مُستَفعِلن فعلن

   والبسيط مثل الطويل فكلاهما أطول بحور الشعر وأعظمها أبهة وجلالاً ورصانة، إلا أن الطويل أرحب صدراً، وأطلق عناناً وألطف نغماً، لأن الطويل أصله متقاربي فهو يبدأ بـ "فعولن" وهي تفعيلة المتقارب، وأصل البسيط رجزي يبدأ بـ "مستفعلن" وهي تفعيلة الرجز، ولا يكاد وزنٌ رجزي يخلو من الجلبة مهما صفا. والطويل يقبل من الشعر ضروباً قد لا يقبلها البسيط. لأنه  أخذ من حلاوة الوافر دون انبتاره، ومن رقة الرمل دون لينه المفرط، ومن ترسل المتقارب المحض دون خفته وضيقه، ونغمه من اللطف بحيث لا يشعر به السامع.

   والبسيط يصلح له من الكلام ما صحبه روح قوية من حنين أو ألم أو عاطفة ظاهرة جلية، من ذلك قول كعب بن زهير وقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم معتذراً يطلب العفو والسماح عما كان منه:

   نُبِّئتُ أن رسولَ الله أوعَدَنـــــــــــــــي     والعفو عند رسولِ الله مأمــولُ

   مهلاً هداك الذي أعطاك نافلةَ     القرآنِ فيها مواعيظٌ وتفصيــــــل

   لا تأخُذَنِّي بأقوالِ الوُشاةِ ولــــــــم     أُذنِبْ وقد كَثُرَت فيَّ الأقاويــــل

   وقد أقومُ مقاماً لو يقومُ بــــــــــــــــــه     يرى ويسمَعُ ما قد أسمعُ الفيلُ

   لظلَّ يُرعَدُ إلا أن يكون لـــــــــــــــــه     من الرسولِ بإذن اللهِ تنويــــــــــــلُ

   إنَّ الرسولَ لنورٌ يُستضاءُ بـــــه      مهنَّدٌ من سيوفِ اللهِ مسلــــــولُ

   ولإحساس الشعراء بما في نغم البسيط من رنة مدركة وجهر واضح، وهو ما لا يوجد في الطويل، نظموا فيه قصائد التحريض والعتاب والشكوى والاعتذار، ومن ذلك قول الشاعر يستنهض قومه ويحذرهم من كسرى ونواياه في غزوهم:

   أبلِغ إياداً وخلِّل في سَراتِــــــــــــــــــــهمُ([18]) إنِّي أرى الرأي إن لم يُعصَ قد نَصَـــــعا([19])

   يا لَهْفَ نفسي إن كانت أمورُكم     شتّى وأُحكِمَ أمر الناسِ فاجتمــــــــــــــــــــــــــــــعا

   ما لي أراكُم نِياماً في بُلَهنِــــــــــــــيَةٍ([20]) وقد تَرونَ شِهابَ الحربِ قد سَطــــــــــــــــــــعا

   فاقنُوا جيادَكُمُ واحمُوا ذمارَكُــــــــــــمُ([21]) واستشعِروا الصبرَ لا تستشعِروا الجزعا

   وقلِّدوا أمرَكُم لله درَّكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمُ     رحبَ الذراعِ بأمر الحربِ مُضطَلِــــــــــــــــعا([22])

   هذا كتابي إليكم والنذيرُ لكــــــــــــــم     لمن رأى رأيه منكم ومن سمــــــــــــــــــــــــــــــــــعا

   ومن ذلك أيضاً قول ابن زيدون في التحسر على الماضي وذهاب أيام الصفو والوصال:

   بنتم وبِنّا فما ابتلَّت جوانحُنا     شوقاً إليكم ولا جفَّت مآقيـــــــــــــــــــــــــــنا

   نكاد حين تُناجيكم ضمائرنا     يقضي علينا الأسى لولا تأسّيـــــــــنا

   حالت لفقدِكمُ أيامُنا فغـــــــدت     سوداً وكانت بكم بيضاً لياليــــــــــــــــنا

   ويا نسيم الصَّبا بلغ تحيــــتنا     من لو على البُعد حيّا كان يُحيينا

   ومن ذلك أيضاً قول عنترة:

   لا يَحمِلُ الحقد من تعلو به الرُّتـبُ     ولا ينالُ العلا من طبعُهُ الغضبُ

   ومن يكُن عبدَ قومٍ لا يُخالفُـــــــــــــــــــهم     إذا جفَوهُ ويَستَرضي إذا عتَبـــــــــــــــوا

   قد كنتُ فيما مضى أرعى جِمالَهُمُ     واليومَ أحمي حماهُم كلَّما نُكِبــــــــــوا

   لئن يَعيبوا سوادي فهو لي نســـــــــبٌ     يومَ النِزالِ إذا ما فاتَني النَّســــــــــــبُ

ونستشعر من هذه الأبيات أن نغم البسيط يتطلب عاطفة قوية يعبر عنها الشاعر تعبيراً خطابياً جهيراً، تلتزم جانب الجلالة والرفعة.

البحر المديد:

 سمي مديداً لأن الأسباب امتدت في أجزائه السباعية "فاعلاتن"، فصار أحدهما في أول الجزء والآخر في آخره، فأول كلمة "فاعلاتن" سبب وآخرها سبب، متحرك وساكن، فلما امتدت الأسباب في أجزائه سمي مديداً. ومفتاحه:

    لمديد الشعر عندي صفــــــــــــــــــات     فاعلاتن فاعلن فــــــــــــــاعلاتن

    والبحر المديد  فيه صلابة وعنف تشبه قرع الطبول في الحرب. وهو على بساطة نغمه إلا أنه يعسر على الناظم؛ لأن تفعيلاته تتطلب كلمات متقطعة، نحو قول الشاعر:

   يا لِبكر أنشِروا لي كُليباً([23])     يا لِبَكرٍ أين أين الفِرارُ

   لذا تحاماه الشعراء، فهذا التقطع لا ينسجم أحياناً إلا مع حالات الغضب الشديد الذي يسبب التعتعة والعي، كالمرثيات المفعمة بروح الانتقام.

   ومن أمثلته أيضاً والتي استطاع الشاعر فيها توظيف قرعه الصاخب في نبضات الموعظة وضرباتها على أوتار ضمائر الغافلين قوله:

   كنْ من الدنيا على وجــلٍ     وتوقَّعْ بغتةَ الأجــــــــــــــــــــــــــــــــــلِ

   فعقول الناس لاهيـــــــــــــــــــــــةٌ     في الهوى والكسب والأملِ

   يَجرعُ الإنسانُ لذَّتَـــــــــــــــــــــها     وهي مثلُ السمِّ في العسلِ

   أنت من دُنياك في شُغُلٍ     والمنايا فيك في شُغُــــــــــــــــــــلِ

   فابتدِرْ ما سوف تذكُــــــــــره     نادماً ما دمتَ في مَهَـــــــــــــلِ

   ليس يُجدي القولُ منفعةً     حين تُبديه بلا عمــــــــــــــــــــــــــــل

البحر الكامل:

 سُمي كاملاً لتكامل حركاته، وهي ثلاثون حركة، وليس في غيره من البحور ما له ثلاثون حركة، وهو أكمل من الوافر في الحركات. ومفتاحه:

    كمل الجمالُ من البحور الكامل     مُتَفاعلن مُتَفاعلن مُتَفاعــــــــــــلن

   والبحر الكامل هو أكثر البحور جلجلة وحركات، وفيه لون خاص من الموسيقى يجعله إن أريد به الجد فخماً جليلاً مع نغم ترنمي ظاهر، وإن أريد به غزل أو ما شابهه من موضوعات اللين والرقة، حلواً عذباً مع صلصلة كصلصلة الأجراس، ونوع من الأبهة تمنعه من أن يكون خفيفاً طائشاً.

   فهو بحر كأنما جعل للتغني المحض في الجد والهزل، ودندنة تفعيلاته من النوع الجهير الواضح، الذي يهجم على السامع مع المعاني والعواطف والصور هجوماً. فهو من أصلح البحور لإبراز العواطف البسيطة غير المعقدة، كالغضب والفرح والفخر وما إلى ذلك. ومن ثم فإن الشعر إن كان في الحماسة كان شديداً، وإن كان في الغزل كان أدخل في العتاب والشكوى، وإن كان في الرثاء كان أقرب إلى التبرم والتذمر، وإن كان وصفاً كان نظرة سريعة لا إبطاء فيها ولا تريث. ومن ثم فالكلام المتأمل الذي فيه شيء من الفلسفة والحكمة لا يستقيم فيه، لأنه يحتاج إلى هدوء وتُؤَدة، ونغم يصل إلى الذهن من غير جلبة ولا تشويش، كالإطار للكلام لا كجزء مكون لصورته ورسمه.

   ففي قول صالح بن عبد القدوس في الحكمة:

   يعطيك من طرف اللسان حلاوة      ويروغ كما يروغ الثعلب

   فهذا الكلام مع شرف لفظه وحسن معناه، إلا أنه لا يحركنا كما ينبغي للشعر العظيم، وليس السر في جفاف حكمته، إنما السبب أن جوه جاد جداً لا يسمح بالدندنة والجلجلة التي تجلبها تفعيلات الكامل، فحصل انفصام ما بين المعنى والنغم مما أضعف أثر الشعر.

   لذا كان أبو الطيب المتنبي وهو من أصحاب التأمل والوثبات العقلية العميقة، مقلاً في البحر الكامل؛ لأنه كان يشعر بفطرته الشعرية أن هذا البحر لا يتناسب وطبيعة موضوعاته إلا في الأقل. ومن قوله في البحر الكامل:

   لِهوى النفوسِ سَريرَةٌ لا تُعــــــــــــــــــــــــــــــــلمُ    عَرَضاً نظَرْتُ وخِلتُ أني أسلَمُ([24])

   لو كان يمكنني سفَرتُ عن الصبا     فالشيبُ من قبل الأوانِ تلَثُّـــــــــــــمُ

   ولقد رأيتُ الحادثاتِ فـــــــــــــــــــــــــــــلا أرى     يَققاً([25]) يُميتُ ولا سواداً يَعصِمُ

   والهمُّ يَختَرِمُ الجسيمَ نحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــافةً     ويُشيب ناصية الصبيّ ويُهــــــرمُ 

   ذو العقلِ يشقى في النعيمِ بعقلِــــــــــــــهِ     وأخو الجهالة في الشقاوةِ يَنـــعَمُ([26])

   والمتأمل لهذا الشعر يرى أن حكمتها لا تبرز بوضوح، لطغيان التنغيم على المعنى الرصين.

   ولا يعني ذلك أن البحر الكامل لا يصلح أبداً للحكمة والتأمل، ولكنه يحتاج إلى حذق من نوع خاص عند التعامل معه، وتجويد قد لا يقدر عليه كل الشعراء، ففي كامليات أبي العلاء المعري في "لزوم ما لا يلزم"، غلب عليها الجانب التصويري مراعاة لصفة التغني في بحر الكامل. من ذلك قوله:

   لو كان لي أمرٌ يُطاوعُ لم يَشِــنْ       ظهرَ الطريق يدَ الحياةِ([27]) مُنَجّــمُ

   وقَفَتْ به الوَرْهاء([28]) وهي كأنّـها      عن الوقوف على عرينٍ تَهجُــــــــــــــم

   سألتْه عن زوجٍ لها مُتغـــــــــــــــــــــــــَيِّب      فاهتاجَ يكتبُ بالرّقانِ([29]) ويُعجـــــــم

   ويقول: ما اسمُكِ واسمُ أمّكِ إنني     بالظنّ عمّا في الغيوبِ مُترجــــــــــــــــــمُ

   يولي بأنّ الجنّ تَطرُقُ بيتَــــــــــــــــــــــــهُ     وله يَدينُ فصيحُها والأعـــــــــــــــــــــــــــــــجَمُ

   أفما يَكُرُّ على معيشتِهِ الفتـــــــــــــى      إلا بما نبذَت إليه الأنجُـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمُ

   ومن الشعراء الذين تناولوا البحر الكامل في موضوع التأمل، وجعل منه ميداناً لفكره أبو تمام، وقد أجاد في ذلك، والسر أن أبا تمام كان يتغنى أفكاره وتأملاته، فلم تفسدها دندنة الكامل ونغمه الصاخب المجلجل. فأبو تمام جمع بين حب الألفاظ والإجادة في توظيف رونقها الفني، وما فيه من جرس ونغم، وحب المعاني والأخيلة غير المألوفة، والعمل على التأليف بينها، بحيث تتشاركان في رسم الصور والمؤثرات النفسية؛ لذا كان الكامل أكثر ملاءمة لشعره.

   ومن ذلك قوله في المعتصم الذي أوقع بالأفشين خَيذَر بن كاوس أحد قادة دولته بعد أن بلغه التآمر عليه:

   جالتْ بخَيذَر جولةُ المقـــــــــــــــــدار     فأحلّه الطغيانُ دارَ بـــــــــــــــــــــــــــــوار

   كم نعمةٍ لله كانت عنـــــــــــــــــــــــــــــده      فكأنّها في غُربةٍ وإســــــــــــــــــــــــــــــــــار

   كُسيَتْ سبائبَ لُؤمه فتضاءلتْ      كتضاؤلِ الحسناءِ في الأطمار

   موتورة طلبَ الإلهُ بثأرهـــــــــــــــــــــــا      وكفى بربّ الثأر مُدركَ ثـــــــــــــــــار

   و"الموتورة" هي نعمة الله التي كانت عند الأفشين فجحدها، فصارت كالموتورة، فهبّ المعتصم ليدرك بثأرها. وقد لاءم أبو تمام في قوله ذاك بين الإغراب الفكري وبين الزخرف اللفظي المتمثل في قوله: "وكفى برب الثأر مدرك ثار".

   ومن ذلك أيضاً قول الإمام الشافعي:

   سَهَري لِتنقيحِ العلومِ ألذُّ لــــــــــــــــي     من وَصلِ غانيةٍ وطيبِ عنــــــــــــــاقِ

   وصريرُ أقلامي على صفحاتِها     أحلى من الدُّوكاءِ والعشّــــــــــــــــــــــــــاقِ

   وألذُّ من نقرِ الفتاةِ لدَفِّـــــــــــــــــــــــــــــها     نقري لأُلقي الرملَ عن أوراقــــــــــــــــي

   وتمايُلي طرباً لحَلِّ عَويصَــــــــــــةٍ     في الدرسِ أشهى من مُدامَةِ ساقِ

   وأبيتُ سهرانَ الدُجى وتبيتُــــــــــــهُ     نوماً وتبغي بعد ذاكَ لحاقــــــــــــــــــــــــي

   وقد أجاد الشاعر عند توظيفه لنغم الكامل ودندنته في تصوير طربه واندماجه التام في دراسته للعلوم وحلِّ مسائلها العويصة، فالذكي المقبل على دراسته يجد في حاله نشوة وطرباً شبيهاً باضطراب العشاق وأحوال الندماء على مائدة اللهو والمجون، فأجاد في التغني كما أجاد في التصوير والمقابلة بين أحواله وأحوالهم، ولم يقف طويلاً في ميدان التأمل والتصوير، إنما كان سريعاً في عرض صوره على نحو متوافق مع ضربات الكامل ومقاطعه.  

   وسر الصناعة والتجويد في البحر الكامل، الذي تغلب على مقاطعه الحركات، عدم التزام تفعيلاته التامة، لئلا يقع الشاعر في الرتابة في النغم. إذ لا بد من الموازنة بين تغليب السكنات على الحركات مرة، وتغليب الحركات على السكنات مرة أخرى، وذلك يتأتي من افتنان الشاعر في استعمال الأحرف المتحركة والأحرف المشددة، وأحرف المد وأنواع التنوين. وممن جمع الفخامة مع التغني في البحر الكامل لبيد في معلقته، والتي قال في مطلعها:

   عَفَتِ الديارُ محلُّها فمُقامُــــــها     بمنىً تأبَّد غَوْلُها فرِجامُــــــــــــــــــــــــها([30])

   فمدافع الريّان عُرِّي رسمُـــــــــها     خلقاً كما ضَمِن الوُحِيَّ سِلامُها([31])

   رُزِقتْ مرابيعَ النّجومِ وصابَها     وَدْقُ الرواعد جَوْدُها فرهامــــــــــها([32])

   فعلا فروعُ الأيْهُقان وأطفـــــلت     بالجلْهَتَين ظباؤُها ونَعامُــــــــــــــــــها([33])

   والعينُ ساكنةٌ على أطلائــِـــــها     عُوذاً تأجَّلُ بالفضاءِ بِهامُـــــــــــها([34])

   وجَلا السيولُ عن الطُـــــــــــــــلــولِ     كأنها زُبُرٌ تُجِدُّ متونَها أقلامها([35]) 

   فألفاظه صلبة قوية صادرة عن بيئة بدوية خالصة، ولم يغضي التنغيم في البحر الكامل من فخامة التعبير، فقد وظف الشاعر حروف الألفاظ في التعبير عن الأجواء الصوتية المصاحبة دونما أي تنافر فيما بينها، فاستخدم الراءات مع التشديد في البيت الثاني لينقل إلينا طرفاً من صوت خرير الماء وهو يتدافع في مدافع الريان. وأجاد في الاستعانة بحروف المد في البيت الثالث للإيحاء بجو المطر المنهمر والرذاذ المتواصل. أما ألفات المد في البيت الرابع فجاءت منسجمة مع علو فروع الأيهقان، وأطفال الظباء والنعام على جانبي الوادي الرمليتين. أما البيت السادس فقد أضفت الواوات جلالاً وأبهة على الجو الموسيقي العام، وكذا كان مجيء الهمزة بعد الهاء والألف قبلها في كلمة  "أقلامها" ما ألبسها ثوب العذوبة والسهولة، وهو أمر قلما نجده في نطق الهمزات. وهذا التنويع واللعب على أوتار النغم لم يقصد إليه الشاعر قصداً متعمداً، إنما هي الملكة والبراعة والمقدرة الفنية المتمكنة.

   البحر الوافر:

 سُمي الوافر لوفرة حركاته، لأنه ليس في الأجزاء أكثر حركات من "مفاعلتن"، وما يُفك منه وهو "متفاعلن". ومفتاحه:

    بحور الشعر وافرها جمـــــــــــــــــــــــيل      مُفاعلتُن مُفاعلتُن فعولـــــــــــــــــــن

   والبحر الوافر في نغمه تدفق مع انبتار في نهاية شطره، وهو انبتار شديد مفاجئ، يكسبه رنة قوية. مما يجعل البحر الوافر متسارع النغمات مع وقفة قوية يتبعها إسراع وتلاحق. وهذا يتطلب من الشاعر أن يأتي بمعانيه دُفَعاً دُفَعاً، كأنه يخرجها من مضخة. وأكثر ما نجد الوافر في نظم الشعراء يغلب عليه الأسلوب الخطابي، الذي يتميز بالتكرار والمزاوجة والمطابقة وحمل الصدر على العجز، واستعراض جوانب مختلفة من المعنى الواحد يتبع بعضها بعضاً. ولا فرق في ذلك بين الرقيق والفخم من موضوعات البحر الوافر.

   ويحسن هذا البحر في الاستعطاف والبكائيات، والغضب الذي يكون في معرض الهجاء والفخر، والتعظيم الذي يكون في معرض المدح، وكذا في النوادر والنُّكت الصادرة عن حذق ومهارة. ومن أمثلته قول الفرزدق يهجو كليب بن يربوع رهط جرير:

   ألا قَبَح الإلهُ بَني كُليـــــــبٍ     ذَوي الحُمُراتِ والعَمَدِ القِصارِ([36])

   ولو تُرمى بِلُؤمِ بني كُليـبٍ    نجومُ الليلِ ما وَضَحَتْ لساري

   ولو لبِسَ النهارَ بنو كُليبٍ    لَدَنّسَ لُؤمُهم وَضَح النهـــــــــــــــــارِ

   وما يَغدو عَزيزُ بَني كُليبٍ    لِيَطلُبَ حاجةً إلا بجــــــــــــــــــــــــــــــارِ

   فالأسلوب الخطابي والتكرار والمطابقة بيِّنة في أداء هذه الأبيات، مع سرعة الخاطر وبراعة البديهة.

   ومن ذلك أيضاً شعره وقد استعدى عليه قوم زياد بن أبيه، بعد أن هجاهم، فهرب منه إلى سعيد بن العاص في الحجاز، حيث قال في أثناء هروبه وتخفيه منه:

   وكان قِرى الهموم([37]) إذا اعترَتْنـي     زَماعاً([38]) لا أُريدُ به بــــــــــــــــــــــــــــــــــدالا

   فعادَلْتُ المسالِكَ نِصفَ حـــــــــــــــــــولٍ     وحولاً بعدَه حتى أحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالا

   فقالَ ليَ الذي يَعنيهِ شــــــــــــــــــــــــــــــــــأني     نصيحةَ قولِهِ سِراً وقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالا

   عليكَ بَني أُميةَ فاستَجِـــــــــــــــــــــــــــــــــــــرْهم     وخُذ منهم لِما تَخشى حِبـــــــــــــــــــــــــالا

   فإن بَني أميةَ في قُريـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــشٍ     بَنَوا لِبُيُوتهم عَمَداً طِــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوالا

   فرَوّحْتُ القَلوصَ إلى ســـــــــــــــــــــــــــــــــــعيدٍ     إذا ما الشاةُ في الأرْطاةِ([39]) قالا([40])

   إليكَ فرَرتُ منكَ ومن زيـــــــــــــــــــــــــــــــــــادٍ     ولم أحسبْ دمي لكُما حــــــــــــــــــلالا

   ولكنّي هَجوتُ وقد هَجَتنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي     مَعاشرُ قد رضَختُ لهم سِجـــالا

   فإنْ يكُنِ الهجاءُ أحَلّ قتلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــي     فقد قُلنا لشاعرهِم وقـــــــــــــــــــــــــــــــــــالا

   وإنْ تَكُ في الهجاءِ تُريدُ قَتلــــــــــــــــــــــــي     فلم تُدرِكْ لمُنتصِرٍ تَبــــــــــــــــــــــــــــــــــالا([41])

   فهذا الشعر مفعم بالأسلوب الخطابي المعبر عن عاطفة حارة صادقة، يميل فيه الشاعر إلى التمهل وعدم الإسراع، وعرض الأمر من جوانبه المتعددة.

   ومن أمثلة الوافر لجرير مما تدَفّق نغمه وتوالت سلاسته قوله في مدح هشام ابن عبد الملك:

   أمير المؤمنين جمعتَ دِينـاً     وحلماً فاضلاً لذوي الحُلُـــــــــــوم

   أميرُ المؤمنين على صراط     إذا اعوجّ المواردُ مُســـــــــــــــــــــتقيم

   له المُتَخَيّرانِ أباً وخــــــــــــــــــــالاً     فأكرمْ بالخئُولة والعمــــــــــــــــــــــــــــوم

   ترى للمسلمين عليك حــــــــقاً     كفعل الوالد الرَّؤوف الرحــــــــــــيم

   وَليتُم أمرَنا ولكُم علــــــــــــــــــينا     فُضُولٌ في الحديث وفي القديم

   إذا بعضُ الســـــنينَ تعرّقَتْنا([42])  كفى الأيتامَ فَقْدَ أبي اليــــــــــــــــــــتيم

   وقد جمع الشاعر في أبياته تلك صفات المدح التي تليق بمقام الخلافة؛ من كرم الأصل والعدل والدين، مع الإيجاز والسلاسة في العرض والتعداد، والانسجام التام مع طبيعة النغم وموسيقى الوزن. وقد افتن الشاعر في مسايرة النغم بالتكرار تارة؛ كقوله: "أمير المؤمنين" في البيتين الأول والثاني، وطوراً بإرداف كلمات متقاربة في الوزن والمعنى كقوله: "أباً وخالاً" وقوله: "الخؤولة والعموم" وقوله: "في الحديث وفي القديم". وتارة بإعادة أطراف من الألفاظ والمعاني بعضها على بعض كقوله: "كفى الأيتام فَقدَ أبي اليتيم".

   ومن أمثلة البحر الوافر قول الإمام الشافعي في الحكمة والموعظة:

   دَعِ الأيامَ تفعلُ ما تشــــــــــــــــــــــــاءُ     وطِبْ نفساً إذا حَكَم القضاءُ

   ولا تجزَع لحادِثةِ الليالـــــــــــــــــــــــــي     فما لحوادِثِ الدنيا بقـــــــــــــــــــــــاءُ

   وكُنْ رجلاً على الأهوالِ جَلداً     وشيمتُكَ السماحةُ والوفـــــــــــاءُ

   وإن كَثُرَت عيوبكَ في البرايـــــا     وسرَّك أن يكونَ لها غِطــــاءُ

   تستَّر بالسخاءِ فكُلُّ عيــــــــــــــــبٍ     يُغَطِّيه كما قيلَ الســــــــــــــــــــــخاءُ

   ولا تُرِ للأعادي قـــــــــــــــــــــطُّ ذُلاً     فإنَّ شماتةَ الأعدا بـــــــــــــــــــــلاءُ

   ولا تَرجُ السماحةَ من بخيـــــــلٍ     فما في النارِ للظمآنِ مـــــــــــاءُ

   ورِزقُكَ ليسَ يُنقِصُهُ التأنّــــــــي     وليسَ يزيدُ في الرزقِ العناءُ

   ولا حُزنٌ يدومُ ولا ســـــــــــــــــرورٌ     ولا بؤسٌ عليكَ ولا رخــــــــــــــاءُ

   إذا ما كنتَ ذا قلبٍ قَنـــــــــــوعٍ     فأنتَ ومالكُ الدنيا سَـــــــــــــــــواءُ

   ومَن نزلتْ بساحتِهِ المنايـــــــا     فلا أرضٌ تقيهِ ولا سمــــــــــــــاءُ

   وأرضُ اللهِ واسعةٌ ولكـــــــــــــــــن     إذا نزل القضا ضاقَ الفضاءُ

   فالأسلوب الخطابي في هذه الأبيات واضح، مع ما فيه من المزاوجة والتعداد واستعراض الأمر من جوانب متعددة.

بحر الهزج:

 سُمي هزجاً لتردد الصوت فيه. وهو يستخدم مجزوءاً بأربع تفعيلات بدل ست منها، ومفتاحه:

    على الأهزاج تسهيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل      مفاعيلن مفاعيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلن

   والهزج  نغمته  تتطلب قولاً مرسلاً طيِّعاً يتناول فكرة واحدة يتغنى بها الشاعر من غير تدقيق ولا تحقيق ولا تعقيد ولا التفات، يسير فيها على السجية؛ لذا فهو يصلح للقصص الخفيف الذي يراد منه الإمتاع ونحو ذلك. ويقوم على التعجب والاستثارة والتكرار وسرد الكلمات المتشابهة في الوزن والجرس. وهو أصلح الأوزان للقصص التعليمي الذي يشتمل حواراً، ويعتمد ألفاظاً سهلة واضحة الدلالة حلوة الجرس. ومن أمثلة الهزج قول أبي نواس:

   دموعي مَزجت كاسي     وما أظهَرتُ وسواســــــي

   ولكن نطقتْ عَينِــــــــــي     فنمَّتْ عن هوى القاسي

   وقالوا فيَّ بالظـــــــــــــــــنِّ     فنكَّست لهم راســـــــــــــــــــــــــي

   وهَبني بُحتُ بالحـبِّ     فهل في الحبِّ من باسِ

ومن ذلك أيضاً قول بديع الزمان الهمذاني:

   أُقضِّي العمرَ تشبيهاً      على الناسِ وتمويها

   أرى الأيامَ لا تبقَــــــــى     على حالٍ فأحكيــــــــــها

   فيومٌ شرُها فـــــــــــــــــــــــــــيَّ     ويومٌ شرتي فيـــــــــــــــــــها

بحر الرجز:

 سُمي رجزاً لأنه يقع فيه ما يكون على ثلاثة أجزاء، فأصله مأخوذ من البعير إذا شُدت إحدى يديه فبقي على ثلاث قوائم، أو من قولهم ناقة رجزاء؛ إذا ارتعشت عند قيامها لضعف يلحقها أو داء. ولمّا كان هذا الوزن فيه اضطراب سُمي رجزاً تشبيهاً بذلك. ومفتاحه:

    في أبحر الأرجاز بحر يســـــــــهل      مُستَفعِلُن مُستَفعِلُن مُستَفعِلُــــن 

   وبحر الرجز من الأوزان الشعبية التي كثُر نظم العرب له في مختلف المناسبات اليومية لا سيما في المبارزات والخصومات والحداء ونحو ذلك، لسهولته وبساطة نغمه، فهو لا يصلح إلا للوصف المستخف والترنم، والكلام الذي لا تكلف فيه ولا إغراب، ويجري مجرى الحداء، وأن يُقتصر فيه على المقطوعات القصيرة، التي لا تأمل فيها ولا غوص في أعماق الفكر، والغالب فيه أن تلتزم القافية في كل شطر منه. وكان الذوق العام يفضل القصيد على الرجز في المناسبات الرصينة؛ لأبهته وجماله، ولاتساع مجال القول فيه؛ وبالتالي فإن الراجز كان دون منزلة الشاعر. ممّا دفع الرجَّاز إلى نظم الرجز في معظم أغراض القصيد. واتخذ المتأخرون من القصائد الجاهلية والمخضرمة كمنظومات لبيد والشماخ نموذجاً يُحتذى، وضمنوها الكثير من الألفاظ النادرة والتراكيب الغربية؛ لتكون مصدر جذب لعلماء النحو ورواة اللغة. لأجل ذلك لم تخرج مقطوعاتهم من دائرة الاستشهاد اللغوي، ولم تكتسِ من صور الإبداع الفني أو الموسيقي إلا قليلاً.

   و لكون بحر الرجز سهل بسيط في نغمه، فقد اعتمده العلماء في نظم العلوم، لأن الترنم يعين على الحفظ، فنظموا فيه قواعد العلوم ومتونها، واعتمدوا التنويع في القوافي ليسهل على الناظم تضمينه المتون الطويلة.

   ومن أمثلة الرجز في الأدب قول عمرو بن سالم الخزاعي يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستجير به من غدر قريش:

   يا ربّ إني ناشدٌ محمــــــــــــــــــــــدا     حلف أبينا وأبيه الأتلــــــــــــدا([43])

   إن قريشاً أخلفوك الموعـــــــــــــــدا     ونقضوا ميثاقَك المؤكـــــــــدا

   هم بيَّتونا بالوتير هُجَّــــــــــــــــــــــــــدا([44]) وقَتلونا رُكَّعاً وسجّــــــــــــــــــــــــدا

   فانصر هداكَ اللهُ نصراً أعتدا     وادعُ عباد الله يأتوا مـــــددا

   فيهم رسول الله قد تجـــــــــــــــــــــرّدا     إن سيم خسفاً وجهه تَربّدا

   ومن أمثلته أيضاً قول أبي نواس:

   إلهَنا ما أعدَلَـــــــــــــــــــــــك     مليكَ كلِّ من ملَــــــــــــــــك

   لبيكَ قد لبَّيتُ لــــــــــــــك      لبيكَ إن الحمدَ لــــــــــك

   والملكَ لا شريكَ لـــك     والليلُ لمَّا أن حلَـــــــــــــك

   والسابحاتُ في الفلك     على مجاري المنسلك

   ما خابَ عبدٌ سألَـــــــك     أنت لهُ حيثُ سلَــــــــــك

   لولاك يا ربِّ هلـــــــــــــــك     كل نبي وملـــــــــــــــــــــــــــك

   وكل من أهلَّ لـــــــــــــــــك     سبَّح أو لبَّى فلَـــــــــــــــك

   يا مخطئاً ما أغفلــــــــك     عجِّل وبادر أجلــــــــك

   واختم بخير عملــــــــــك     ولا تسوِّف أمَلـــــــــــــــــــك

   ومن أمثلة الرجز في نظم العلوم ألفية ابن مالك في النحو، والتي يقول فيها:

   كلامُنا لفظٌ مفيدٌ كاســـــــــــــــــــــــــــتَقمْ     واسمٌ وفعلٌ ثم حرفٌ الكـــــــــــــــــلمْ

   بالجرِّ والتنوينِ والنــــــــــــــــــــدا وألْ     ومُسند للاسمِ تمييزٌ حصـــــــــــــــلْ

   بِتا فعلتَ وأتتْ ويا افعلــــــــــــــــــــي     ونون أًقْبِلَنَّ فِعلٌ ينجَــــــــــــــــــــــــــــــلي

   سواهما الحرفُ كهل وفي ولـــم     فعلٌ مضارعٌ يلي لم كيشم([45])

   وماضيَ الأفعالِ بالتا مِزْ وسِمْ     بالنونِ فعل الأمرِ إن أمرٌ فُهِمْ

   والأمرُ إن لمْ يكُ للنونِ مـحـــــلْ     فيه هو اسمٌ نحو صَهْ وحَيَّهــــلْ

بحر الرَمَل: سُمي رملاً لأن الرمَل نوع من الغناء يخرج من هذا الوزن فيسمى بذلك، وقيل: لدخول الأوتاد بين الأسباب، وانتظامه كرمَل الحصير المنسوج، ومفتاحه:

    رمل الأبحر ترويه الثِــــــــــــــــــــــــقاتُ      فاعلاتن فاعلاتن فاعــــــــــــــــــلاتن  

   ونغمة الرمَل خفيفة رشيقة منسابة، وفي رنة مجزوئه نشوة وطرب، مما يجعله يصلح في الأناشيد الشعبية والغنائيات، وقد أكثر أوائل الموشِّحين من استعمال الرمل الطويل التام، لكونه يصلح في الترانيم الرقيقة والتأمل الحزين البعيد عن الجد والصلابة. وأنغام الرمل رقيقة عذبة ولكنها لبساطتها وتكرارها وجرسها البيِّن تُزاحم المعنى في ذهن السامع؛ بمعنى أن السامع يستطيع أن يميز النغم عن الكلام، كما لو كان مستقلاً عن الكلمات. وموسيقى الرمل وإن كانت لها ميزاتها وجمالها إلا أنها لا تبلغ مستوى الموسيقى الشعرية الرفيعة للبحر الطويل.

   ومن أمثلة بحر الرمل قول سويد بن أبي كاهل في الفخر:

   كيف يرجون سِقاطي بعدَمـــا     جَلَّلَ الرأسَ بياضٌ وَصَلَــــــــــــعْ

   ساء ما ظنُّوا وقد أبْلَيتُهُهــــــــــم     عندَ غاياتِ المدى كيفَ أقَعْ

   رُبَّ مَن أنضَجتُ غَيظاً قَلبَه     قدْ تَمنّى لي شرّاً لَم يُطَـــــــــــــــعْ

   ويراني كالشَّجا في حلقـــــــــــــــــه     عَسِراً مُخرَجُه ما يُنْتَـــــــــــــــــــــــزَعْ

   مُزْبَد يَخطِر ما لم يَرنــــــــــــــــــــي     وإذا أسمعته صوتي انقمـــــــــع

   ومن ذلك أيضاً قول عنترة:

   نفِّسوا كَربي وداووا عِلَلي     وابرِزوا لي كلَّ ليثٍ بطلِ

   وانهَلوا من حدِّ سَيفي جُرَع     مُرَّةً مثلَ نَقيعِ الحنظلِ

   وإذا الموتُ بدا في جَحفَلٍ     فدَعوني للقاءِ الجَحْفَلِ

   يا بني الأعاجمِ ما بالُكُم     عن قِتالي كُلُّكُم في شُغُلِ

   أينَ مَن كان لقَتلي طالبٌ     رامَ يسقيني شرابَ الأجلِ

   أبرِزوهُ وانظُروا ما يلتَقي     من سِناني تحت ظِلِّ القَسطَلِ([46])

    ومن أمثلة ذلك أيضاً قول محمود سامي البارودي:

   أيُّها المغرورُ مَهــــــــــــــلاً     لستَ للتَّكريمِ أهــــــــــــــــــــــــــــلا

   كيفَ صادَفتَ الأماني     هل رأيتَ الصعبَ سهلا

   أينَ أهلُ الدارِ فانـــــــظُرْ     هل ترى بالدارِ أهــــــــــــــــلا

   رُبَّ حُسنٍ في ثيـــــــــــــابٍ     عادَ غِسلِيناً ومُهْــــــــــــــــــــــلا

   وعيونٍ كُنَّ ســــــــــــــــــــــــوداً     صِرنَ عندَ الموتِ شُهلا

   إنَّما الدنيا غُــــــــــــــــــــــــــرورٌ     لم تدعْ طِفلاً وكهــــــــــــــــلا     

   ومن بحر الرمل الذي لم يوفق صاحبه في استثمار نغمه، وكان بين معاني ألفاظه ونغمة وزنه تنافر قول أعشى همدان:

   أفَخرتم أن قتلتم أعبــــــــــداً     وهزمتم مَرَّةً آل عــــــــــــزل

   نحن سُقناهم إليكم عنْوةً     وجَمعْنا أمرَكم بعد فَشَل

   وعَفَونا فَنسيتم عَفونــــــــــــــا     وكفرتم نعمةَ الله الأجَـل

   فهذا كلام غليظ خشن لا يتناسب مع بحر الرمل، مما أفقده موسيقاه ورنينه، إذ إن رنين الشعر لا يتم إن لم يوافق معناه طبيعة نغمه ووزنه.  

البحر السريع:

 سُمي سريعاً لأنه في كل ثلاثة أجزاء منه سبعة أسباب، خمسة أسباب واثنين في أول الوتد المجموع من "مسْتفْعلن"؛ لأن أول الوتد سبب، والسبب أسرع في اللفظ من الوتد. ومفتاحه:

    بحر سريع ما له ساحــــــــــــــــــــــــــــــــلُ     مُستَفعِلن مُستَفعِلن فاعـــــــــــــــــــلن

   ونغم البحر السريع يشبه النثر المسجع، لولا انتظام تفعيلاته وقوافيه؛ لذا تحاشاه المجودون من الشعراء لا سيما الجاهليون، فلم يأتوا به في دواوينهم إلا قليلاً. لأنه ليس فيه إطراب البحور القصار، ولا جلال النغم الذي في البحور الطوال. وهو يلائم من الشعر المقطوعات القصار لا القصائد الطوال، ومن أمثلته قول امرؤ القيس:

   يا دارَ ماويةَ بالحــــــــــــــــــــــــــــــائلِ     فالسَّهْبِ فالخَبْتَينِ من عاقِلِ([47])

   صَمَّ صَداها وعَفا رسْمُـــــــــــــــها     واستعجَمَت عن منطِقِ السائِلِ

   قولا لدُودانَ([48]) عبيدِ العصا     ما غرَّكم بالأسدِ الباسِـــــــــــــــــــــــــــــلِ

   فهذا الشعر كأنه خطبة مسجوعة، لولا ما فيه من الوزن والقافية. ومن أمثلة ذلك أيضاً قول طرفة:

   أسلَمني قومي ولم يغضبوا     لسَوْءةٍ حلَّت بهم فادحة

   كلُّ خليلٍ كنتُ خــــــالَلْتُــــــــــــه     لا تركَ اللهُ له واضـــحة([49])

   كلُّهم أروغُ من ثعلــــــــــــــــــــــــب     ما أشبَه الليلة بالبارحة

   ومن ذلك أيضاً قول ابن جبير الشاطبي الأندلسي الرحالة:

   قد أحدثَ الناسُ أموراً فلا     تعمل بها إني امرؤ ناصح

   فما جِماعُ الخيرِ إلا الذي     كان عليه السلف الصـــالح

   ومن أمثلته قول ابن سناء الملك في الفراق والوداع:

   لمَّا دعا في الركبِ داعي الفِراقْ     لبَّاه ماءُ الدَّمعِ من كلِ مــــــــــاقْ

   يا دمعُ لم تَدْعُ سوى مُهجَتــــــــــــــي     فلِم تطَفَّلتَ بهذا السبــــــــــــــــــــــــــــــاقْ

   وإن تكن خِفتَ لظَى زَفْرَتِـــــــــــــــــــي     فأنتَ معذورٌ بهذا الإبـــــــــــــــــــــــــاق

   وإن تكن أسرَعت من أنَّـــــــــــــــــــــــــــةٍ     إنَّ لها من أنَّتي ألـــــــــــــــــــــــف راق

   مهلاً فما أنت كَدمع جَـــــــــــــــــــــــرى     وراقَ بل أنتَ دماءٌ تُـــــــــــــــــــــــــــــراق

   أَسقي بمزنِ الحُزنِ روضَ اللَّوى     يا قربَ ما أثمرَ لي بالفِــــــــــــــــراق

   لله ذاك اليوم كم مُقلَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــةٍ     غرقَى وقلب بالجَوَى ذي احتراق

   وهو شعر رقيق جميل استطاع فيه الشاعر أن يبتعد عن  أسلوب الخطابة، بما أورده من حوار وعتاب وصور بيانية جاءت سلسة لا تكلف فيها ولا تصنع. 

البحر المنسرح:

 سُمي منسرحاً لانسراحه مما يلزم أضرابه وأجناسه؛ وذلك أن "مستفعلن" متى وقعت ضرباً في المنسرح، لم تجيء على أصلها، بل تكون مطوية؛ أي يحذف منها الرابع الساكن لتصبح "مُسْتَعِلن". ومفتاحه:

    منسرح فيه يُضرب المثــــــــــــــــــــــــلُ     مُستَفعِلن مفعولات مُفْتَعِـــــــــــــــــلُن

   والبحر المنسرح من البحور الخفيفة اللينة التي تتصف بصفة التغني. وهو يصلح في الإطالة، والمواضيع التي فيها رقة وعذوبة، وكذلك في أغراض الرثاء الذي فيها نفحة من النوح والتحزن والتحسر، كما يصلح في النقائض الهجائية، وغير ذلك من المواضيع التي تتناسب مع نغمه. ومن أمثلته قول المتنبي:

   أَحقُّ عافٍ بِدمعِكَ الهِمـمُ([50]) أحدَثُ شيءٍ عَهداً بها القِدَمُ

   وإنَّما الناسُ بالملوكِ ومـا     تُفلِحُ عُربٌ مُلوكُها عــــــــــــــــجمُ

   لا أدبٌ عندهم ولا حسبٌ     ولا عهودٌ لهم ولا ذِمـــــــــــــــــــــــــمُ

   بكلِّ أرضٍ وطِئْتُها أمــــــــمٌ     تُرعى لِعبدٍ كأنَّها غَنَــــــــــــــــــــــــــــمُ

   ومن أمثلته أيضاً قول عنترة في الغزل:

   بَردُ نسيمِ الحجازِ في الســــحَرِ     إذا أتاني بريحِهِ الــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــعَطِرِ

   ألذُّ عندي ممَّا حوتْهُ يـــــــــــــــــدي     من اللآلي والمالِ والــــــــــــــــــــــــــــــــــبِدَرِ

   ومُلكُ كسرى لا أشتهــــــــــــــيهِ إذ     ما غابَ وجهُ الحبيبِ عن نظري

   سقى الخيامَ التي نُصِبنَ على     شَرَبَّةِ الأنسِ وابِلُ المـــــــــــــــــــــــــــــــــطرِ

   بيضٌ وسُمرٌ تَحمي مَضــــــاربَه     أسادُ غابٍ بالبيضِ والسُــــــــــــــــــــــمُرِ

   صادَت فُؤادي منهُنَّ جـــــــــاريةٌ     مكحولَةُ المقلَتَينِ بالحَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــوَرِ

   أعارتِ الظبيَ سِــــــــــــــحرَ مُقلَتِهِ     وباتَ ليثُ الشرى على حــــــــــــــــــــذَرِ

   يا عَبلَ نارُ الغرامِ في كــــبدي     تَرمي فؤادي بأَسهُمِ الشَــــــــــــــــــــــــــــــرَرِ

   وواضح في هذه الأبيات الانسجام التام بين النغم الرقيق والكلمات القربية والتي فيها لين ورقة.

البحر الخفيف:

 سُمي خفيفاً لأن الوتد المفروق اتصلت حركته الأخيرة بحركات الأسباب فخفَّت، وقيل سُمي خفيفاً لخفته في الذوق والتقطيع، لأنه يتوالى فيه لفظ ثلاثة أسباب، والأسباب أخف من الأوتاد. ومفتاحه:

   يا خفيفاً خفت به الحركـــــــــــــــــــات     فاعلاتن مُستَفعِلن فاعلاتــــــــــن

   والبحر الخفيف يجنح نحو الفخامة إذا ما قوبل بالبحر السريع والمنسرح، وهو دون الطويل والبسيط في ذلك، فهو يجمع بين الفخامة والرقة. كما أنه واضح النغم بحيث نشعر بدندنته؛ لذا لا يقارب النثر المسجع كالسريع، وهو يشبه المديد أن فيه صلابة تمنعه من أن يكون ليناً كالمنسرح؛ فهو بحر بين بين يتسع لأغراض الغزل والحماسة والمديح والهجاء والرثاء والفخر. ولقوافي الخفيف أثر عظيم في طبع أنغامه بطابع خاص، بحيث نستشعر في المتأخر شيئاً من المتقدم، فتتصل صدور الأبيات بأعجازها. ومن أمثلة الخفيف قول عنترة:

   حاربيني يا نائِباتِ الليالـــــــــــــي     عن يميني وتارةً عن شمالــــــي

   واجهَدي في عداوَتي وعِنادي     أنتِ واللهِ لم تُلِمِّي بِبالــــــــــــــــــــــي

   إنَّ لي هِمَّةً أشدَّ منَ الصَخـــــــ     ـــرِ وأقوى من راسياتِ الجِبــالِ

   وسِناناً إذا تَعَسَّفتُ في الليـــــــــــــ     ــلِ هَداني وَرَدَّني عن ضلالِي

   وجواداً ما سارَ إلا سرى الـــبَر     ــقُ وراهُ من اقتِداحِ النِعـــــــــــــــالِ

   أدهمٌ يصدَعُ الدُّجى بِســـــــــــــــوادٍ     بين عينيهِ غُرَّةٌ كالهــــــــــــــــــــــــلالِ

   يفتَديني بنَفسِهِ وأُفَدِّيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ     ـــهِ بنفسي يومَ القتالِ ومـــــــــــالي

   وإذا قامَ سوقُ حربِ العَوالــــــــي     وتلظّى بالمُرهِفاتِ الصِــــــــــــــقالِ

   كنتُ دلَّالَها وكانَ سِنانـــــــــــــــــــــي     تاجراً يشتري النُفوسَ الغَوالــــــي

   يا سِباعَ الفَلا إذا اشتَعَلَ الحر     بُ اتبَعيني من القِفارِ الخَوالي

   وخُذي من جماجِمِ القومِ قوتــــاً     لبنيكِ الصغارِ والأشبــــــــــــــــــــــــــــالِ 

   فهذه الأبيات في الفخر لاقت انسجاماً وتوافقاً مع فخامة البحر الخفيف ودندنته اللطيفة، ومدود قوافيه أعانت على التغني بتلك المكرمات والمفاخر.

   ومن ذلك أيضاً قول البحتري:

   سائِلِ الدهرَ مُذ عَرَفناهُ هل يَعـ     ـــرِفُ مِنَّا إلا الفعالَ الحميـــــــــــــدا

   قَد لَعَمري سُدناهُ كَهلاً وشيــــــخاً     وشَبيباً وناشِئاً ووليــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدا

   وطَوَينا أيّامَهُ وليـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاليــ     ـــه على المَكرُماتِ بيضاً وسودا

   فهو من مَجدِنا يَروحُ ويــــــــــغدو     في عُلا لا تَبيدُ حتى يَبيــــــــــــــــــــــدا

   نحنُ أبناءَ يَعرُبٍ أعرَبُ الــــــــــنا     س لِساناً وأنضَرُ الناسِ عـــــــــودا 

البحر المضارع:

سُمي مضارعاً لأنه ضارع الهزج بتربيعه وتقديم أوتاده. ولم يُسمع المضارع من العرب، ولم يجيء فيه شعر معروف، لكنهم أجازوه. مفتاحه:

   تُعد المضارعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات      مفاعيلن فاعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلاتن

   والبحر المضارع من البحور النادرة في الاستعمال التي قلما تُسلك ويُمخر عُبابُها، اشتهر في الشعر الوجداني وبعض التواشيح الخفيفة، له نغم عذب يشبه الغناء، ومن أمثلته قول الشاعر:

   إلى كم أقودُ قـــــــــــــــوماً     بِطاءً إلــــى ودادي

   وأهوى لهم دُنــــــــــــــــــــــوّاً     ويَهْوَوْنَ لي بُعادي

   وأُضحي لهم صديقاً     وما هم سوى أعـــادِ

   وأبغي صلاحَ شأني     بمن همُّه فســــــــادي

   وكم ذا أجودُ دهـــري     لمن ليس بالجــــــــوادِ

البحر المقتضب: سُمي مقتضباً لأن تفعيلاته تشبه تفعيلات المنسرح، إذا طُرح "مستفعلن" من أوله، فكأنه في المعنى قد اقتُضب من المنسرح، والاقتضاب الاقتطاع في اللغة. وتفعيلاته: مفعولات مستفعلن مستفعلن مرتين، لكنه استعمل مجزوءاً. ومفتاحه:

   اقتضِب كما ســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــألوا       مفعولاتُ متفـــعلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن

   والبحر المقتضب بحر قليل الاستعمال لكنه جميل النغم، من البحور القصار الذي يصلح في التغني. من أمثلته قول الشاعر:

   راحة النهى طرب     هاتها فلا عتـــــــــــــــــب

   الدنان مترعــــــــــــــــــــة     والخمور تنســـــــــــكب

   والكؤوس جاريـــــــــة     طاف فوقها الحبب

   فهي والحباب معاً     السماء والشـُّــــــــهب

   ومن ذلك أيضاً قول أبي نواس:

   حاملُ الهوى تَعِــبُ     يستَخِفُّهُ الطَّـــــــــــــــرَبُ

   إنْ بكى يَحِقُّ لـــــــــهُ     ليسَ ما بهِ لَعِـــــــــــــبُ

   تضحكينَ لاهيـــــــــةً     والمحِبُ ينتَحِـــــــــــــــــــبُ

   تعجبينَ من سَقمي     صحَّتي هي العَجَبُ

البحر المجتث:

سُمي مجتثاً لأن الاجتثاث في اللغة الاقتطاع كالاقتضاب، فلفظ أجزائه توافق لفظ أجزاء الخفيف، إذا طُرحت أولى تفعيلاته، فكأنه مجتث من الخفيف. وأصله مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن مرتين، لكنه استعمل مجزوءاً. ومفتاحه:

   إن جُثَّت الحركـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات       مُستَفعِلُن فاعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلاتن

   والمجتث من البحور القصيرة التي فيها جمال وعذوبة وخفة، ويحسن فيها تطويل الكلام للإطراب والإمتاع. وهو من البحور التي تُغنى، وقد عرف المتصوفة هذه المزية فيه فأكثروا من استعماله في أناشيدهم، من ذلك قول ابن الجَنان الأندلسي:

   يا من تقدَّس عــن أن     يحيط وصفٌ بذاتــــــــــهْ

   ومن تعالى جَــــــــــــــلالاً     من مُشبهٍ في صفاتِـــه

   ومَن قبولُ ثنائــــــــــــــــــي     إليه أسنى هباتِــــــــــــــــــــــــــه

   صلى على مَن تبدَّى     نور الهدى من سِماتِهْ

   محمدٌ خيرُ هــــــــــــــــــــــادٍ     بحلمِهِ وأناتِـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــهْ

   محمدٌ خـــــــــــــــــــــــيرُ داع     بالصدقِ من كلماتِــــــــهْ

   أعززْ به من رســـــولٍ     سَمَتْ عُلا درجاتِـــــــــــــهْ

   وخَصَّه اللهُ مــــــــــــــــــــنه     بالفضلِ من تكرماتِــــهْ

   لمَّا حبَاه بأوفــــــــــــــــــى     صِلاته في صَلاتِــــــــــــهْ

البحر المتقارب:

 سُمي متقارباً لتقارب أوتاده بعضها من بعض لأنه يصل بين كل وتدين سبب واحد، فتتقارب الأوتاد. ومفتاحه:

   عن المتقارب قال الخـــــــــــــــــــليل      فعولن فعولن فعولن فعولــــــــــــن

   والبحر المتقارب نغماته من أيسر النغمات وأبسطها؛ مطرد التفاعيل منساب النغم لأنه يتكون من نغمة واحدة متكررة، يشبه ضرب الطبل الخفيف، يصلح لكل ما فيه تعداد للصفات أو سرد للأحداث. ودندنته الظاهرة تتطلب من الشاعر تجويد الصناعة فيه؛ لأنه يتطلب اندفاعاً وراء النغم الجاري كالتيار المتدفق. فهو بحر الغناء المتدفق يسير على من يريد النظم، عصي على من يسعى إلى الإتقان والتجويد؛ وهو ينقاد لكل ذي طبع سليم ممتد النفس ومندفع المشاعر. ومن أمثلته قول أبي العتاهية يمدح الخليفة المهدي العباسي:

   أتتْه الخلافة منــــــقادةً     إليه تُجَرِّر أثقالـــــــــــــــــــها

   فلم تكُ تصلح إلا له     ولم يكُ يصلحُ إلا لها

   ولو رامها أحدٌ غيره     لزُلزلت الأرضُ زلزالها

   ومثاله أيضاً قول الأعشى في المدح:

   فأنتَ الجوادُ وأنتَ الـــــذي     إذا ما النفوسُ ملأن الصـــــدورا

   جديرٌ بطعنةِ يوم اللـــــــــــقا     ءِ تَضرِبُ منها النساءُ النــــحورا

   وما مُزبدٌ من خليج الفرا     تِ يغشى الإكام ويعلو الجسورا

   بأجودَ منه بما عنـــــــــــــــــده     فيعطي المِئين ويعطي البُــــــدورا

البحر المتدارك:

وهذا البحر ليس من بحور الخليل، إنما وضعه الأخفش، وسماه المتدارَك لأنه تدراكه على الخليل بن أحمد. ومفتاحه:

   حركات المحدثُ تنتــــــــــــــــــــــــــــقل       فَعِلن فَعِلن فَعِلن فَعِلــــــــــــــــــــــــــــــن

   والبحر المتدارك في نغمته ضجيج وجلبة، كما أن إيقاعه راقص يتميّز بسرعة تدفقه وقوته؛ لأنه يتكون من نغمة واحدة قصيرة وقوية، وقد سُمي بالخبب تشبيهاً له بجري الخيل. ومن أمثلته قول الشاعر:

   الأزمةُ مفتاحُ الفــــــــــــــــــــــــــرجِ     ومآل الضيقِ إلى الفـــرجِ

   وظلامُ الوهمِ إلى عـــــــــــــــدم     وضياءُ العقلِ إلى بلَـــــــجِ

   ودوامُ الحالةِ ممتَنِـــــــــــــــــــــــــعٌ     وعُقَيْبَ العسرِ اليسرُ يَجِ

   فاصبِر لكرُوبِ الدهرِ تَفُزْ     بعواقبِ صبرِكَ تبتــــــهجِ

   واقرعْ للبابِ على قـــــــــــــــــدمِ     التفويضِ لحكمتِهِ تَلــــــــــجِ

   ومن أمثلته أيضاً قول لسان الدين ابن الخطيب في المدح:

   قسماً بالليلِ وما وسَــــــــــــــــــــــقا     وإيَاةِ البدرِ إذا اتســــــــــــــــقا

   والنجمِ الثاقبِ حينَ هــــــــــــوى     رجماً والصبحِ إذا انفلقا

   أحييتَ الدينَ وقـــــــــــــــد أودى     وأعدتَ المُلكَ وقد خـــلِقا

   يا ناصرَ دينَ اللهِ ومَــــــــــــــــنْ     بعنايتِهِ الوثقى وَثِـــــــــــــــــــقا

   طابتْ بوجودِكَ أندلُـــــــــــــــــــسٌ     حسُنَتْ بجوارِكَ مُرتَفَــقا

   إن طاف بها شيطانُ عِدىً     يبغي بسمائِكَ مُســتَرَقا

   أو جاسَ خلالَ منازِلـــــــــــــــــها     قذفَتْهُ سُعودُكَ فاحتَرقا

 

ب‌.               القافية: هي المقطع الصوتي الأخير في البيت الشعري، والذي يلزم تكراره في كل أبيات القصيدة، والذي يتكون من آخر ساكن في البيت إلى أقرب ساكن يليه مع المتحرك الذي قبل هذا الساكن. ويكون الروي من ضمن حروفها.

   والروي هو آخر حرف صحيح في البيت، والذي عليه تبنى القصيدة وإليه تنسب، فيقال: قصيدة ميمية أو نونية أو عينية، إذا كان الروي فيها ميماً أو نوناً أو عيناً. ويكون عماد القافية ومركزها، وما عداه من حروف القافية مرتبط به.

كالوصل الذي هو إشباع حركة الروي بحرف مدّ، أو هاء تكون بعد الروي. والخروج الناشئ عن إشباع هاء الوصل. والردف هو حرف مدٍّ أو لين يكون قبل الروي. والتأسيس حرف مدٍّ بينه وبين حرف الروي حرف صحيح يسمى الدخيل.

   ومن الحروف ما لا يصلح أن يكون روياً وهي: حروف المد الثلاثة، إذا لم تكن من بنية الكلمة، والتزم الحرف الذي قبلها كروي، وتنوين الترنم الذي يلحق القوافي المطلقة، ويكون عوضاً عن ألف الإطلاق، والهاء بشرط ألا يكون قبلها حرف مدٍّ، وإلا اعتبرت الهاء روياً.

   ومن العيوب التي تلحق القوافي: الإيطاء، وهو تكرار القافية بعينها بعد أبيات قليلة. والإقواء، وهو المخالفة بين حركات الإعراب في القوافي، كأن يجيء بعضها مرفوعاً وبعضها مجروراً. الدخيل، وهو اختلاف أحرف الروي مع تقارب مخارجها، كأن يجيء الشاعر بطاء فيما رويه دال، أو بميم فيما رويه نون. والتضمين، وهو ألا تستقل القافية بنفسها بل يتعلق معناها بما بعدها، ويغتفر فيما كان البحر فيه قصيراً، أو كان الشعر قصصياً آخذاً بعضه برقاب بعض. والسناد، وهو الجمع بين الردف وعدمه أو المؤسس وعدمه أو تختلف حركة الدخيل بحركتين متقاربتين.

   ومن أنواع القوافي: لزوم ما لا يلزم، وهو التزام الشاعر قيوداً لا تلزمه إياها الصناعة الشعرية، كأن يلتزم الشاعر بحروف وحركات في القافية لا تتطلبها قواعد علم القافية، يفعل ذلك زيادة في الإيقاع الموسيقي، وذلك كأنْ يكون الحرفانِ الأخيرانِ أو الثلاثة الأخيرة متماثلة في كلّ القوافي، وهو قيد ثقيل قلَّ أن تتيسر معه الإجادة، من ذلك قول الشاعر:

   إذا رَضِيتْ نفسي بميسورِ بُلْــــــــــغَةٍ     يُحصِّلُها بالكدِّ كَفِّي وســــــــــــــــــــاعدي

   أمِنتُ تصاريفَ الحوادِثِ كلّـــــــــــــــها     فكُنْ يا زماني مُوعِدي أو مُواعِدي

   أليس قضا الأفلاكِ في دَورِها بأنْ     تُعيدَ إلى نَحسٍ جميعَ المَســــــــــــاعِدِ

   فيا نَفسُ صبراً في مَقيلِكِ إنَّــــــــــــــــما     تَخُرُّ ذُراهُ بانقضاض القواعــــــــــــــــــــــــدِ

   القافية المقيدة: وهي التي يكون فيها الروي ساكناً، واعتماد المد قبل القافية المقيدة كثير، نحو: غادِرْ، ناصِحْ، عليمْ. واعتماد القافية المقيدة من غير مدٍ قبلها فيه عسر شديد في البحور الطوال، إلا بحري الرمل والمتقارب لخفتهما، مثال ذلك قول الشاعر:

   بسطَتْ رابعةُ الحبلَ لنا     فوصَلنا الحبلَ منها ما اتّسعْ

   وقول الآخر:

   تميمُ بن مُرّ وأشياعُها     وكِندةُ حولي جميعاً صُبُرْ

   وعامة البحور القصار يصلح فيها التقييد من غير اعتماد مد قبل الروي. أما البحر الطويل فلا نجد فيه من العسر في القافية المقيدة كغيره من البحور الطوال، نحو قول الشاعر:

   تمنَّى ابنتايَ أن يعيشَ أبوهــــما     وهلْ أنا إلا من ربيعةَ أو مُضَرْ

   إذا حانَ يوماً أن يموتَ أبوكُما     فلا تَخْمِشا وجهاً ولا تَحلقا شعَرْ

   القافية المطلقة: وهي التي يكون فيها الروي متحركاً، فيوصل بحرف مد من جنس حركته، أو يوصل بالهاء، والفتحة في القوافي المطلقة غير الموصولة بضمير ونحوه هي دون الكسرة والضمة في الحسن. والضمة تكون مناسبة في ما فيه فخامة، أما الكسرة فتناسب أحوال الرقة واللين.

   ومن أنواع القوافي القوافي الذلول التي يحسن فيها الروي ويجمل كالباء والتاء والدال والراء والعين والميم والنون والياء التي بعدها ألف الإطلاق. والحروف المشددة أغلبها عسرة، ولو كانت من الأحرف الذلل، فإنها تصير أحياناً صعبةً بالتشديد كاللام والنون، نحو قول الشاعر:

   إنَّ بالشِّعبِ الذي دون سَلْعٍ     لقتيلاً دمُه ما يُطلُّ

   وحرف الكاف قد يحسن وقد يعسر، ومن أحسن ما جاء منه الكاف المكسورة في قول تأبط شراً:

   وإنِّي لَمُهدٍ من ثنائي فقاصـــــدٌ     بهِ لابنِ عمِّ الصدقِ شمسِ بنِ مالكِ

   لطيفُ الحوايا يَقسِمُ الزادَ بينَه     سواءٌ وبينَ الذئبِ قَسمَ المَشـــــــــــــــــــاركِ

   والكاف المفتوحة في قول المتنبي:

   فدًى لك من يقصِّر عن مَداكا([51])     فلا ملِكٌ إذن إلا فَداكا

   وحرف القاف متحامًى عنه، وجياده ليست كثيرة، ومن أروعها قافية زهير:

   إنَّ الخليطَ أجدّ البينَ فانفرقا     وعُلِّق القلبُ من أسماءَ ما علِقا

   وحرف الفاء صعب جداً، إلا أنَّه مع عسره فيه شعر جيد كثير، من ذلك قول الشاعر:

   لقد زادَ الحياة إليَّ حُبّـــــــــــــــــــــــــــــاً     بناتي إنَّهنّ من الضـــــــــــــــــــــــعافِ

   أُحاذرُ أن يرينَ الفقرَ بعـــــــدي     وأن يشربْنَ رَنقاً بعد صــــــــــــــــافِ

   وأن يَعرَيْنَ إنْ كُسيَ الجواري     فتنبو العينُ عن كرمٍ عِـــــــــــــجافِ

   ولولا ذاك قد سَوَّمْتُ مُهـــــــــري     وفي الرحمن للضعفاء كـــــــــــــــافِ

   أبانا مَن لنا إن غبتَ عــــــــــــــنَّا     وصارَ الحيّ بعدَك في اختلافِ

   وقول آخر:

   جزى اللهُ عنا الموتَ خيراً فإنَّـــــــــــــه     أبرُّ بنا من كل شــــــــــــــــــــيءٍ وأرأفُ

   يعجِّلُ تخليصَ النفوسِ من الأذى     ويُدني من الدار التي هي أشرفُ

   أما حرف الجيم فالمتخيرات منه قليلة، وأكثر ما استعمل عند القدماء في الوافر والطويل والرجز، وجاء شيء منه في البسيط، ومن ذلك قول أبي دلامة:

   أفي صفراءَ صافيةِ المزاجِ     كأنَّ لهيبَها لهَبُ السِّراجِ

   وقول آخر يمدح الحجاج:

   مَن سدَّ مُطَّلَعَ النِّفاق عليــــــــــهمُ     أم من يصول كصولةِ الحــــجاجِ

   إنَّ ابن يوسًفَ فاعلموا وتيقّنوا     ماضي البصيرة واضحُ المنهاجِ

   منَع الرُّشا وأراكمُ سُبُل الهـــــدى     واللِّص نكّلــــــــــــــــــــــــــه عن الإدلاج

   فاستوثقوا وتبيَّنوا طُرُق الهـــدى     ودعوا النجِيَّ فلاتَ حينَ تناجي

   أما حرف الحاء المهملة فدون الجيم في العسر، وجيادها أكثر، ومقطوعاتها أحسن من مطولاتها بشكل عام، ومن أمثلتها قول جرير في المدح:

   وقومٍ قد سَمَوْتَ لهم فــــــــدانُوا     بِدُهْمٍ في مُلَملَـــــــــــــــمةٍ رَداحِ([52])

   أبَحتَ حمى تِهامةَ بعد نجدٍ     وما شيءٌ حميْتَ بمُستباحِ

   أما حرف السين فالكلمات المنتهية بالسين أقل من الأصول الفائية اللام أو القافية اللام، ومع ذلك ففيها من الشعر جيد كثير، وأكثره في الخفيف والمنسرح والسريع ثم البسيط، مثال ذلك قول البحتري:

   صُنتُ نفسي عمَّا يُدنِّسُ نفسي     وترفَّعتُ عن جدا كلِّ جِبـــــــــسِ([53])

   وتماسكتُ حينَ زَعزَعني الدهـــــ     ــرُ التماساً منه لتَعسي ونُكسي

   ومن القوافي النافرة الصاد والزاي والضاد والطاء والواو والهاء التي من أصل الكلمة. فهذه القوافي عسيرة مستكرهة، وقد يكون بعضها جيداً بحسب تجويد الشاعر، من ذلك زائية المتنخل الهذلي التي يقول فيها:

   لا درَّ دَرِّي إن أطعمْتُ نازِلَكُم     قِرْفَ الحَتِيّ([54]) وعندي البُرُّ مَكنُوزُ

   ومن القوافي الحوشية المستغرَبة الثاء والخاء والذال والشين والظاء والغين، والشعر الذي جاء على هذه القوافي في مجمله غث كريه مستهجن.

   ومن القوافي التي لم تذكر فيما سبق الهمزة، وهي قريبة من القوافي الذلل؛ لكثرة ما ورد فيها من الكلمات ذوات الألف الممدودة للتأنيث والإلحاق، إلا أنَّ مخرجها فيه قبح؛ لذا تنكبها الشعراء في الكثير الغالب، وأكثر ما تجيء الهمزة سهلة إذا كانت بعد ألف ممدودة.

   وقد يتصل حرف الروي بهاء متحركة أو ساكنة، والهاء المتحركة إما أن تكون حركتها ضمة وتتبعها الواو في النطق، وإما أن تكون كسرة وتتبعها ياء في النطق، نحو قول شوقي:

   وطَوى القرونَ القَهقَرى حتى أتى     فرعونَ بين طعامهِ وشرابهي

   وهاتان الحالتان كثيرتان في الشعر، إلا أن جيدهما ليس بكثير. وإما أن تكون الحركة فتحة وتتبعها ألف في النطق، وهي أكثر وروداً في الشعر مما سبق، والإجادة معها كثيرة أيضاً.

   وإما أن تكون الهاء ساكنة، وهي حسنة في الطويل، وقد أجاد بعض الشعراء الإتيان بها في غير الطويل أيضاً، ومثالها قول المعري على لسان عجوز توصي ابنها بالإكثار من الدروع في الحرب:

   عليكَ الســـــــــــــــــــــــابغاتِ فإنَّهُنَّهْ     يُدافِعنَ الصوارمَ والأسنهْ

   ومَن شهِدَ الوغَى وعليه دِرعٌ     تلقَّاها بنفس مطمئنـــــــــــــــهْ

 

2.       الإيقاع الداخلي:

   هو إيقاع الحروف والألفاظ داخل النظم الشعري، وهو غير منضبط بقوانين كالوزن الخارجي إنما يأتي عفو الخاطر، يدفع إليه حس الشاعر وقريحته تبعاً للحالة الشعرية المصيطرة، فيساهم من طرف خفي بإشعال الموسيقى العامة للقصيدة بألوان منسجمة من النغم، التي يستشعر من خلالها السامع ويستشف أحوال الشاعر النفسية وانفعالاته. وهذا الإيقاع الداخلي يتأتى من عدة أمور: 

 

أ‌.       جرس الحروف: لكل حرف من حروف العربية سماته الخاصة وصفاته المميِّزة، ولكل من هذه الصفات دلالة وإيقاع، يساهمان جميعاً في الإيحاء بالمعنى. كدلالة القاف على الشدة والاضطراب، والراء على الارتعاد والتكرار، والحاء على الارتياح، وحروف المد على اللين، والنون على الترنم، ونحو ذلك.

   وهذه العلاقة بين الأصوات والمعاني كثيراً ما استثمرها الشعراء في قصائدهم، فوازنوا بين نغم الحروف ومعاني الكلمات والعبارات، من ذلك قول البحتري:

   ميلوا إلى الدار من ليلى نُحَيِّها     نعم ونسألها عن بعض أهليها 

   يا دِمْنَةً([55]) جاذبَتْهَا الريحُ بَهجَتَها     تَبيتُ تَنشُرُها طوراً وتطويْها

   لا زِلتِ في حُللٍ للغيثِ ضافيةٍ([56])    يُنيرُها البرقُ أحياناً ويُسديها

   تَروحُ بالوابلِ الدَّاني رَوائِحُها     على رُبُوعِكِ أو تغدو غواديها([57])

   هذه الأبيات هي مطلع قصيدة يصف بها البحتري بركة المتوكل، تلك البركة التي بلغت الغاية في الحسن والجمال، فينتقي لها مقدمة طللية زينها بألفاظ تشع بجو الأنس والبهجة، ورصعها بكلمات تشكَّلت من حروف ناعمة رقيقة ومدود حسنة التوزيع، تصلح للترنم والتغني والفرح بما يتناسب والجو النفسي للقصيدة.  

   ومن ذلك أيضاً قول امرئ القيس:

     مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبلٍ مُدبرٍ معاً     كجُلمودِ صخرٍ حطَّه السيلُ من علِ

   فيرسم التكرير في حرف الراء في "مِكر" و"مِفر" صورة الإدبار والإقبال السريعة من الفرس، عند الهجوم والزوغان في القتال، والذي ينبئ عن مهارة وائتلاف بين حركة الفرس وحركة راكبه، ولا يكون ذلك إلا في الخيل الأصيلة المدربة.

   كما أن الأصوات الشديدة في القاف والدال والباء والجيم تصطف لتلون المشهد بشدة انقباض عضلات الفرس وصلابتها، والشدة في الإقبال والإدبار المناسبة لجو القتال.

   ثم يأتي بعد ذلك تتابع حروف السين والياء واللام السهلة اللينة في كلمة "السيل"، ليصور سرعة الاندفاع في وجه العدو، من غير تردد أو انكفاء.

   ومن ذلك أيضاً قول الشاعر:

     ولمَّا قضَينا من منىً كلَّ حاجـــــــــــةٍ     ومسَّحَ بالأركان من هو ماســحُ

     وشُدَّت على حُدْب المهاري رِحالُنا     ولا يعلمُ الغادي الذي هو رائــحُ

     أخذنا بأطرافِ الأحاديثِ بــــــــيـــنــــــنا     وسالتْ بأعناقِ المطيِّ الأباطحُ

   حيث نرى في حرف الحاء وتكراره واتخاذه روياً، مع ما انضم إليه من المدود وحروف اللين، تصوير حيٌّ لأحوال الراحة والطمأنينة والسكينة التي حلَّت في نفوس الحجيج، بعد فراغهم من مناسك الحج.

   ومن ذلك أيضاً قول البحتري:

   صُنتُ نفسي عمَّا يُدنِّسُ نفسي     وترفَّعتُ عن جَدا كلِّ جِبــــــــسِ

   وتماسَكتُ حين زعزعني الدهـــــ     ــر التماساً منه لتَعسي ونُكسي

   وكأنَّ الزمانَ أصبح محمـــــــــــــــــــو     لاً هواهُ مع الأخَسّ الأخَــــــــــسّ

   وقديماً عَهِدْتَني ذا هَنـــــــــــــــــــــــــــــاتٍ     آبيات على الدَّنياتِ شُمـــــــــــسِ

   ولقد رابَني نُبُوُّ ابنِ عمّــــــــــــــــــــــــــــي     بعد لينٍ من جانبيهِ وأُنــــــــــــــــسِ

   حضرَتْ رَحليَ الهُمومُ فَوَجَّـهْــــــــــــ     ــتُ إلى أبيضِ المدائنِ عُنسي

   أتسلّى عن الحُظوظِ وآسَـــــــــــــــــــــــى     لمَحَلٍّ من آل ساســــــــــانَ دَرسِ

   فالبحتري حزين لتغير أحواله وانقلاب السلطان عليه؛ وقد ذهب إلى خرائب المدائن في رحلة يسري بها عن نفسه، وأقبل على إيوان كسرى المهجور يرقبه ويعتبر بمجدهم الذاهب، وبما حل بهم من صروف الدهر. وقد أجاد أيما إجادة في تكرار حرف السين وبناء القصيدة عليه، موظفاً ما فيه من صفات الهمس والصفير لينقل صوت الريح وهي تتخلل خرائب المدائن، وشعور الوحشة الذي سيطر على دخائل نفسه بعد انقلاب الزمان عليه وتكدر أيامه.

 

ب‌.  إيقاع الألفاظ: قد يساهم جرس الألفاظ وإيقاعها المتناغم في تنامي موسيقى الشعر على نحو عذب جميل، وذلك مرتبط بمدى تجويد الشاعر وابداعه في انتقاء ألفاظه. ومن المستحسن في الألفاظ أن تتباعد حروفها في المخارج؛ لأنها إن كانت بعيدة المخارج جاءت متمكنة في مواضعها غير قلقة ولا مكدودة. ومن الاستخدام المعيب في الشعر لأجل هذا المعنى قول بعضهم:

   وقبر حربٍ بمكان قفرٍ     وليس قرب قبر حرب قبر

   قيل إن هذا البيت لا يمكن إنشاده مرات متواليات إلا ويغلط المنشد؛ لقرب في المخارج أحدث في النطق ثقلاً.

   ومن الكلام المستحسن قول الشاعر:

   طَلَعتْ للحُسنِ فيهم مُزنةٌ     أنبتَتْ في كل حِقْفٍ غُصْنا

   فالمزنة: هي الماء النازل من السماء، ومن الكلمات الدالة على هذا المعنى: البُعاق، والغيث، والقطر، وتخيُّر الشاعر للفظ "مزنة" من بين هذه الكلمات دالٌ على فصاحته، وإحساسه بحسن نغمها مع ما جاورها من الكلمات.

   ويرى ابن الأثير الحلبي أن من الفصاحة الجودة في تركيب الألفاظ، لأن حسن التأليف هو المعتبر في الكلام، ولا يُكتفى بأن تكون الألفاظ في نفسها مليحة رائقة، بل لا بدَّ من حسن تأليفها مع أخواتها؛ لأن اللفظة إن كانت رائقة وأُلفت مع غيرها من الألفاظ تأليفاً غير مرتبط، كان ذلك كالعقد الذي أفسده الناظم في نظمه له، فجعل إلى جانب الفص خرزةً، وإلى جانب اللؤلؤة صدفة. ويقول العرب: هذا الكلام متمكنٌ، يعنون به حسن التأليف ومشاكلة بعضه لبعض.

   ومن أمثلة ذلك قول أبي الطيب المتنبي:

   إذا سارت الأحداج([58]) فوق نباتهِ      تفاوحَ مسكُ الغانياتِ ورندُهُ([59])

   فقالوا: إنَّ كلمة "تفاوح" جاءت في غاية الحسن عذبة متناغمة مع ما جاورها من الكلمات. ومثال ما كرهوه من ذلك لأجل اضطراب النغم قول أبي الطيب أيضاً:

   مباركُ الاسمِ أغرُّ اللقب            كريمُ الجِرِشَّى([60]) شريفُ النسب

   فرأوا في لفظ "الجرشَّى" تأليفاً مكروهاً في السمع نابياً في الإيقاع. 

 

جـ.  المحسنات البديعية: تشارك بعض أنواع المحسنات البديعية في صناعة نغمات الإيقاع الداخلي للشعر العربي، كالجناس والطباق ورد العجز على الصدر ونحو ذلك ممَّا يعتمد الترصيع والزخرفة اللفظية.

·        الجناس: وهو أن يتوافق كلمتان لفظاً ويختلفا معنى، فإن كان التوافق تاماً؛ في نوع الحروف وعددها وترتيبها وحركاتها كان الجناس تاماً، وإن اختلفتا في واحد من هذه الأمور كان الجناس ناقصاً، ومثال الجناس التام قول الشاعر:

   لم نلقَ غيرَكَ إنساناً يُلاذُ به     فلا برحْتَ لعينِ الدهرِ إنساناً

   فبين كلمة "إنسان" الأولى و"إنسان" الثانية وهي سواد العين الذي يتم به الإبصار جناس تام، وقد أضاف هذا اللون من البديع نغماً خاصاً على إيقاع البيت الشعري. ومن ذلك أيضاً قول الشاعر:

   فيَا لكَ من حَزْمٍ وعَزْمٍ طَواهُما     جديدُ الرَّدى بينَ الصَّفا والصَفائِح

   فبين "حزم" و"عزم" و"الصفا" و"الصفائح" جناس ناقص، وقد ساهم هذا الجناس في إضافة بديعية على إيقاع البيت الشعري. ومن ذلك أيضاً قول الشاعر:

   بيضُ الصفائِحِ لا سود الصحائِف في     مُتُونِهِنَّ جلاءُ الشكِّ والريَبِ

·        الطباق: وهو الجمع بين الشيء وضده في الكلام، مثال ذلك قول الشاعر:

      وباسِطُ خَيْرٍ فيكمُ بِيَمينه    وقابضُ شَرٍّ عنكم بِشِماله

   وهذه المقابلة بين الشيء وضده ألبست الكلام حلة ترصيعية جميلة. ومن ذلك أيضاً قول الشاعر:

     فإذا حاربُوا أذلُّوا عزيزاً        وإذا سالَموا أعَزُّوا ذليلاً

   فبعض أنواع الطباق تساهم في النغم والإيقاع الداخلي للشعر بصورة خفية.

·        ردّ العجز على الصدر: هو أن يُعمد إلى لفظين متجانسين أو بينهما تشابه واشتقاق، فيُجعل أحدهما في آخر البيت، والثاني في صدر الشطر الأول أو حشوه أو آخره أو أول الشطر الثاني؛ نحو قول الشاعر:

   يقى الرملَ جونٌ مستهلٌ غمامُهُ     وما ذاك إلا حُبّ من حلَّ بالرملِ

   وقول الشاعر:

   سريعٌ إلى ابنِ العمِّ يلطُمُ وجهَهُ     وليسَ إلى داعي الندى بسريعِ

   وقول الشافعي:

   قد مات قومٌ وما ماتَتْ مكارمُهم     وعاشَ قومٌ وهم في الناسِ أموات

   وقوله أيضاً:

   أتهزَأُ بالدعاءِ وتزدريـــــــــــــــــــــــهِ     وما تدري بما صنعَ الدعاءُ

   سِهامُ الليلِ لا تُخطِي ولكن     لها أمدٌ وللأمدِ انقضـــــــــــــــاءُ


 

الموضوع الرابع: في الأدب المقارن

تعريف الأدب المقارن:

   الأدب المقارن هو علم حديث نوعاً ما بإطاره وأسسه، يتناول المقارنة بين أدبين أو أكثر ينتمي كل منهما إلى أمة أو قومية مغايرة للأمة أو القومية التي ينتمي إليها الأدب الآخر، وفي الغالب ينتمي إلى لغة أخرى غير التي ينتمي إليها ذلك الأدب الآخر. وهذه المقارنة قد تقع في عنصر واحد من عناصر الأدب، أو في أكثر من عنصر؛ بغية الوقوف على مناطق التشابه والاختلاف بين الآداب القومية للشعوب المتعددة، ومعرفة الأسباب التي أدت إلى هذا التأثر والتأثير فيما بينها. وهذه الدراسة المقارنة تعتمد الموازنة الفنية أو الموضوعية بين طرفي المقارنة، من أجل تحديد مظاهر التأثر أو التاثير، أو من أجل بيان الصورة التي ارتسمت في ذهن أمة من الأمم عن أمة أخرى من خلال أدبها، أو تتبع نزعة أو تيار فكري ما عبر عدة آداب مختلفة، إلى غير ذلك من الغايات والأهداف. 

   وقد يندرج ضمن الدراسات الأدبية المقارنة ملاحظة التأثير العكسي الذي تركه أدب في أدب آخر؛ كأن يعمد أديب إلى فكرة ما جرى تداولها في آداب أخرى، فيتناولها في أدبه تناولاً معكوساً متأثراً بثقافته وقوميته. مثال ذلك شخصية كيلوباترا التي كانت تمثل في الآداب الأوروبية نموذجاً  للمرأة المصرية المستهترة المولعة بالملذات، والتي تتخذ للوصول إلى أهدافها طرقاً ملتوية وغير مستقيمة. تناولها شوقي في مسرحيته، إلا أنه جعلها مثالاً للشخصية الوطنية المخلصة، التي تقدم حب وطنها على أي حب آخر. 

   وبالمجمل فإن الأدب المقارن مهمته رسم سير الآداب في علاقاتها بعضها ببعض، مع شرح خطة ذلك السير، والمساعدة في خروج الآداب القومية من عزلتها، والنظر إليها كجزء من التراث الأدبي العالمي.

   والدراسة الأدبية المقارنة عرفت مدرستين اثنتين؛ الأولى تمثلها المدرسة الفرنسية، وهي التي نشأت أولاً، والثانية المدرسة الأمريكية.

   وقد عرّفت المدرسة الفرنسية  الأدب المقارن بأنه العلم الذي يبحث ويقارن العلاقات المتشابهة بين الآداب المختلفة، والتي تنتمي إلى اللغات المختلفة؛ لذا فهذا التعريف يعتمد الشروط التالية:

1.    اختلاف اللغة: إذ لا بد في الدراسات المقارنة أن تنتمي الآداب التي تخضع للمقارنة إلى لغات مختلفة. وبالتالي فإن الآثار الأدبية التي تكتب بلغة واحدة تخرج عن دائرة الدرس المقارن، وإن تأثر بعضهم ببعض. ويعارض الأمريكيون هذا الشرط لأنه يجعل الأدب الأمريكي والأدب الإنجليزي ضمن دائرة واحدة، فلا يمكن المقارنة بينهما من منظور هذا العلم.

2.    الصلات التاريخية: لا بد من وجود صلات تاريخية بين الموضوعات التي تخضع للمقارنة، نشأ عنها تأثر وتأثير. ممّا يلقي على عاتق الباحث ضرورة الإلمام بكافة الظروف التاريخية للعصور التي يعمل على دراسة أدبها.

3.    انحصار عمل الأدب المقارن في مجال الآداب فقط، فلا تدخل في دراستها المقارنة ميادين المعرفة الأخرى.

   ومن أشهر أعلام المدرسة الفرنسية فان تيجم وفرانسوا جويار.

   أما أصحاب المدرسة الأميركية فيعرفون الأدب المقارن بأنه دراسة مقارنة بين أدب معين وأدب آخر، أو مقارنة الأدب بأنماط الفكر الإنساني الأخرى من الفنون كالنحت والعمارة والموسيقى والرسم، أو الفلسفة والتاريخ والعلوم الاجتماعية كالسياسة والاجتماع والاقتصاد، أو غيرها من العلوم، أو الأفكار الدينية السائدة. لأنهم اعتبروا التفكير البشري كلاً متكاملاً ومتداخلاً، فوسعوا إطار العمل في العمل المقارن.

   كما رفضوا اعتماد شرط اختلاف اللغات؛ لأن هذا الشرط يجعل من الأدب الأمريكي تابعاً للأدب الإنجليزي، في حين أن هذا الأدب صارت له خصائص ومميزات جعلته يختلف عن الأصول التي نشأ منها. لذا استعاضوا عن شرط اختلاف اللغات باختلاف البلدان والموقع الجغرافي.

   بالإضافة إلى ذلك فقد ألغوا الدراسة التاريخية التي تبحث في علاقات التأثر والتأثير. لأن الهدف من الدراسة المقارنة في المدرسة الأمريكية ليس التنقيب في ركام الماضي عن أشياء تنسب العمل الأدبي إليها، بل أن يكون الاهتمام منصباً على النص الأدبي ذاته نقداً وتقييماً.  

   ولقد وجه أصحاب المدرسة الأمريكية سهام النقد إلى المدرسة الفرنسية، عابوا فيها أهم أسسها، فرأوا أن في دراسات التأثر والتأثير التي مكنت من إظهار ضخامة التأثير الذي مارسه الأدب الفرنسي على غيره من الآداب، خدمة جلّى لنزعة التباهي والتعالي الثقافي الفرنسي، وهي نزعة قومية توسعية رافقت في الماضي إيديولوجية الاستعمار لدى الأمة الفرنسية. كما أن خضوع هذه المدرسة للنزعة التاريخية، وتفسير الظواهر الأدبية على أساس من الحقائق الواقعية، أهمل جانب التذوق الجمالي لأدب، وجعل الدراسة المقارنة دراسة تاريخية أكثر منها دراسة نقدية.

وكان من أشهر أعلام هذه المدرسة هنري ريماك ورينيه ويليك.

   وقد انتقلت الدراسات المقارنة إلى العربية مع الأكادميين في الجامعات المصرية، الذين وفدوا إلى أوروبا عامة وإلى فرنسا خاصة، للتخصص في هذا المجال، فتتلمذوا على يد أحد أشهر أعلامها وهو فرانسوا غويار. وكانت الدراسات المقارنة قبل ذلك مركزة على العمل التطبيقي دون النظري. ثم تطور الدرس المقارن بعد ذلك في الاتجاهين النظري والتطبيقي، بعد قيام الموفدون العرب بترجمة الكتب الأجنبية في هذا المجال. ولم يبتدع المقارنون العرب مذهباً خاصاً في الدرس المقارن، إنما كانوا ملتزمين في أول أمرهم بأسس المدرسة الفرنسية.

 

أصول قديمة:

   عد الأدب المقارن علماً حديث النشأة لكونه ظهر في القرن الأخير، في تسميته وأطره النظرية وتعريفاته. ولكن الحقيقة أن الموازنة بين النصوص الأدبية عرفت منذ أن كان الأدب؛ لأن الموازنة بين الألفاظ والمعاني وبين المفردات والأساليب يعين المتدربين على الفهم الصحيح للمعاني والصور، ويصقل حاستهم الفنية. كما أنها قد تجيء عفواً حين يكون التشابه بيّناً واضحاً بين المعاني والصور لأديبين مختلفين. فيستشعر الدارس هذا التشابه، ويحاول أن يفسر وقوعه في الأدب.

   وقد وجدت الموازنات في الشعر العربي منذ القدم، فلم يكن سوق عكاظ، والأسواق الأدبية الأخرى إلا محاكم فنية، يُوازَن فيها بين الشعراء، ويُحكم بالأفضلية لمن يتفوق منهم. وكانت هذه الموازنات ذات طابع فني جمالي، لم تتجاوز ذلك إلى تتبع المؤثرات، ولم تجعل من احتذاء الشاعر لطريقة غيره عيباً أو سرقة.

   أما في مطلع العصر العباسي، فقد شاع عمل الموازنات بين الشعراء، وأصبحت سبيلاً للمفاضلة بينهم حين يتنازع أهل الادب واللغة في أيّهم أشعر. فوازنوا بين جرير والفرزدق والأخطل، وأبي تمام والبحتري، ولم تتجاوز هذه الموازنات حدود البيت المفرد، والفكرة المنعزلة. ثم جاء الآمدي (371هـ)، الذي ألف كتابه "الموازنة بين الطائيين"، حاول فيه المفاضلة بين أبي تمام والبحتري، من خلال دراسة نصوص فنية لكلا الشاعرين، ولكن مع اتساع الكتاب، والإطناب في الحديث والتوسع في الموضوعات، لم يستطع الآمدي الخروج عن دائرة الموازنة الجزئية.

   ثم جاء ابن الأثير (637هـ) الذي وازن في كتابه "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر" بين قصيدتين في وصف الأسد للبحتري والمتنبي، وبين قصيدتين في الرثاء لأبي تمام والمتنبي، فقدم دراسة موازنة تناولت مقطعاً فنياً متكاملاً، خرج فيها من دائرة الجزئية التي تتوقف عند بيت معين أو فكرة محددة لتشمل القصيدة كلها.

   وفي العصر الحديث لم تتوقف الموازنات عند بيت شعري أو قطعة أدبية، أو شاعر وآخر فحسب، بل امتدت لتشمل الموازنة بين عصر وآخر، للتوصل إلى القوانين التي كانت تحكم إبداع كل فترة، وإبراز الخصائص التي اتصف بها كل عصر، وإدراك التطور الذي أصاب بعض الأنواع الأدبية وأدى إلى اختفائها، أو إلى ظهور أنواع جديدة.

 

نبذة تاريخية عن نشأة الأدب المقارن:  

   في أوائل القرن التاسع عشر شهدت فرنسا ولادة الأدب المقارن كفرع من فروع المعرفة الأدبية، عندما ألقى فرانسوا نويل وبعض مساعديه محاضرات في الأدب المقارن في جامعة السوربون، تركزت معظمها على الآداب الفرنسية واللاتينية والإنجليزية والإيطالية. ثم جاء بعده أبيل فيلمان الذي وقف في محاضراته عند التأثيرات المتبادلة بين الأدبين الفرنسي والإنجليزي، وتأثير الأدب الفرنسي في إيطاليا، مستخدماً مصطلح الأدب المقارن صراحة. وكذلك جان جاك آمبير الذي تحدث عن علاقة الأدب الفرنسي بالآداب الأجنبية في القرون الوسطى.

   ومع منتصف القرن التاسع عشر كان الأدب المقارن قد أخذ مكانه بين العلوم المعرفية، ولكن دون أن يستقل عن الدراسات الأدبية، ثم أخذ في الانتشار والتوسع خارج فرنسا ليشمل سويسرا وألمانيا وإنجلترا، ثم أخيراً الولايات المتحدة، والتي لم تكن بعيدة عن تطور الدراسات المقارنة. 

   وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى توسعت الجامعات الفرنسية في تدريس الأدب المقارن، فافتتحت له فرعاً خاصاً، واقترح بول فان تييغم، الذي كانت له دراسات في هذا المجال، تأسيس جمعية عالمية لتاريخ الأدب الحديث.

   وبعد الحرب العالمية الثانية أصبح للأدب المقارن نظرية واضحة المعالم ومتكاملة الأبعاد. وقد سهل التطور الحضاري في حصول التلاقي بين الآداب المختلفة وانتقال الثقافات بين البلدان؛ إما عن طريق الاتصال المباشر، أو عن طريق الترجمة والنشر. كما ساعدت المنتديات الأدبية في تعرف الأدباء بعضهم على بعض، وتبادل الأفكار والثقافات فيما بينهم مما أغنى مادة الأدب المقارن بكثير من المقارنات والدراسات.

 

الأدب العام والأدب العالمي:

   اختلط مفهوم الأدب المقارن قديماً بمفهوم الأدب العالمي والأدب العام، ثم أصبح الأدب العام يطلق غالباً على الكتابات التي تتناول دراسة الاتجاهات والظواهر الأدبية المشتركة والمتزامنة بين مختلف الآداب، دون النظر إن كان ثمة تأثر وتأثير متبادل أم لا.

   ويرى فان تييجم أن من مهمات الأدب العام الأساسية هي أن يحصي الوقائع الأدبية من مختلف البلدان، والتي تكشف عن مشابهات حقيقية. فيحاول أن يفسر هذه المشابهات من خلال العلل المشتركة الفكرية والعاطفية والمادية التي أنتجت مثل هذا التشابه. مثال على ذلك: دراسة الحالة الاجتماعية والميول الأدبية السائدة في أواخر عصر النهضة والتي نتج عنها التصنع والتكلف في العملية الفنية عند عدد من الأدباء الغربيين.

   فالأدب العام يدرس الظواهر الأدبية الجماعية؛ سواء كانت تيارات عالمية صدرت ابتداءً عن كاتب ما أو مجموعة من الكتاب ثم تسربت إلى عدد من البلدان. فيلاحقها عندئذ الأدب العام في كل مكان تسربت إليه، ويبين من تأثر بها من الأدباء، مهما كان نوع هذا التأثر سواء باقتباس الفكرة والاتجاه أو بتقليد أسلوب الكتابة والتعبير أو باعتماد الشكل الفني أو باتباع طريقة المعالجة وأسلوب التأثير.

   كما يدرس الاتجاهات المشتركة والمتعاصرة، والتي وقع التشابه فيما بينها عفواً، دون أن يكون وليد تأثر وتأثير. وهذه الدراسة خارجة عن نطاق الأدب المقارن في مفهومه الفرنسي الكلاسيكي. ومهمة الأدب العام في ذلك أن يجمع هذه المشابهات، ثم يصنفها ويفسرها ويردها إلى أسبابها.

  فيكون الأدب العام في مستوى ثالث بعد الأدب القومي الذي يهتم بدراسة أدب أمة ما، والأدب المقارن الذي يبحث في الصلة بين أدبين مختلفين. وتكون دائرة الدراسة فيه أوسع لأنها تضم عدداً أكبر من الأمم والبدان. كما أن الدراسة فيه تقسّم على حسب العصور والتيارات الفكرية والأجناس الأدبية، لا على حسب الأمم وآدابها.

   ولكن مما يؤخذ على هذا النوع من الدراسات أنها تخرج عن نطاق درس النصوص وتمحيصها إلى ميدان التجريد العقلي الفلسفي. وهو أخطر ما تتعرض له الدراسات الأدبية التي يجب أن تستمد أصولها من الإنتاج الأدبي ذاته. وهذا الفارق الجوهري هو الفاصل بين الأدب بوصفه إنتاجاً فنياً، وبين العلوم الفلسفية والاجتماعية ذات الاتجاه العقلي التجريدي. فمن الممكن وضع تاريخ عام للفلسفة أو العلوم العقلية، لأن ميدان البحث فيها هو الأفكار وحدها. ولكن الأدب مادته الأفكار الخاصة والمشاعر الذاتية والتعبيرات المصاغة في قوالب فنية.

   أما الأدب العالمي فموضوعه الأعمال الأدبية التي أنتجتها القرائح من مختلف بلدان العالم، ثم ترجمت إلى لغات مختلفة، فارتقت إلى مصاف الروائع المعترف بقيمتها الفنية أو الفكرية لدى شعوب العالم. ولما كان جل دراسات الأدب المقارن تتعامل مع نماذج أدبية استطاعت الوصول إلى الشهرة العالمية الواسعة وقع الخلط بين المصطلحين.

   وكان جوته أول من أثار قضية الأدب العالمي، عندما تخيل أن الآداب المختلفة يمكن أن تتجمع كلها في أدب واحد كبير يطلق عليه اسم الأدب العالمي.

   ولعل الذي دفع جوته إلى هذا التفكير أنه كان مجيداً للآداب الغربية، ومطلعاً على الآداب الشرقية، فكان مثالاً للثقافة العالمية التي تضم الشرق والغرب. بالإضافة إلى اتجاه ساد في ألمانيا يرمي إلى اتخاذ ألمانيا مركزاً للثقافة العالمية والفكر الإنساني، كوسيلة للهيمنة السياسية والعرقية. مما جعل فكرة الأدب العالمي لا ترتبط فقط بالعبقرية الفنية بل أيضاً بظواهر غير أدبية تساعد في الهيمنة الحضارية.



([1]) رجل نَجُدٌ ماض فيما لا يستطيعه سواه.

([2]) يقصد الشعر الذي تتوافق قوافيه.

([3]) أي الحاضر السامع لشعري.

([4]) أي لما خالفتك.

([5]) أي الزمان الحالي والزمان البعيد.

([6]) هو من رمى ثوبه على مالك حين وجده قتيلاً ليستره.

([7]) أي لا يعجل بالعشاء بل ينتظر الضيفان، والأروع هو الذي إذا رأيته راعك بحسنه وجماله.

([8]) أوضع: أسرع؛ والمعنى: أنه إذا أتاه مجدب مسرع وجده خصيباً مريعاً.

([9]) أي جبُنت، وأراد بالخيل أصحابها.

([10]) مدفع: أي غير مظفر.

([11]) هو جذيمة الأبرش كانا نديميه دهراً.

([12]) أفرع: كثير شعر الرأس.

([13]) سواد يضرب إلى الحمرة.

([14]) قولك: قعيدك الله: من أيمان العرب.

([15]) اقصري.

([16]) الغوادي: التي تغدو بالمطر. المدجنات: السحاب التي تأتي بالدجن، والدجن تغطية السماء بالسحاب. أمرع: أخصب وأتى بالخصب.

([17]) ذباب السيف طرفه الذي يقطع.

([18]) خلّل في سراتهم: أي خص سراتهم بإبلاغ رسالتي.

([19]) نصع الرأي: اتضح فلا شبهة فيه.

([20]) البلهنية: رخاء العيش ورفاهيته.

([21]) اقنوا جيادكم: الزموا خيلكم. الذمار: كل ما يلزمك حفظه وحمايته والدفاع عنه،

([22]) واسع القوة.

([23]) أي أحيوا لي كليباً بعد قتله.

([24]) قال أبو العلاء في شرحه: عرضاً أي من غير قصد. يقول: للهوى سر لا يعرف لطفه ودقته، فلا يوقف عليه إلا بعد ابتلاء به. ونظرتُ من غير قصد، وما ظننت أن الظن يوقعني في حبائل الهوى، بل قدرت أني أسلم ولا أهلك، فخاف الظن الذي ظننته. وقال ابن جني في الفتح الوهبي: أي لا يدري الإنسان من أين يأتيه الهوى فيتحرر منه.

([25]) الأبيض اليقق: الشديد البياض.

([26]) قال العكبري في شرحه: العاقل يشقى وإن كان في نعمة، لتفكره في عاقبة الأمور، وعلمه بتحول الأحوال، والجاهل إذا كان في الشقاوة، فهو ينعم لغفلته، وقلة تفكره في العواقب.

([27]) أي يد الدهر، وهذا التعبير كناية عن مدته.

([28]) الحمقاء.

([29]) الزعفران.

([30]) المحل من الديار: ما حل فيه لأيام، والمقام: ما طالت الإقامة به، منى: اسم موضع غير منى الحرم، تأبد: توحش، الغول والرجام: جبلان معروفان.

([31]) المدافع: أماكن يندفع فيها الماء، الريان: جبل معروف، الوحي: الكتابة والكتاب، السلام: الحجارة.

([32]) مرابيع النجوم: الأنواء الربيعية، وهي المنازل التي تحلها الشمس فصل الربيع، الصوب: الإصابة، الودق: المطر، الجود: المطر التام، الرواعد: ذوات الرعد من السحاب، الرهام: جمع رِهمة وهي المطرة التي فيها لين. والمعنى: رُزقت الديار أمطار الأنواء الربيعية فأمرعت وأعشبت، وأصابها ذوات الرعود من السحاب ما كان منه عاماً بالغاً مرضياً أهله، وما كان منه ليناً سهلاً.

([33]) الأيهقان ضرب من النبت البري، أطفلت: أي صارت ذوات أطفال، الجهلتان: جانبي الوادي، والمعنى: علت فروع هذا النبات وأصبحت النعام والظباء ذوات أطفال بجانبي وادي هذه الديار.

([34]) العين: واسعات العيون، الطلا: ولد الوحش، العوذ: الحديثات النتاج، الإجل: القطيع من بقر الوحش، الفضاء: الصحراء، البهام: أولاد الضأن. والمعنى: البقر واسعات العيون قد سكنت وأقامت على أولادها ترضعها حال كونها حديثات النتاج، وأولادها تصير قطيعاً في تلك الصحراء، فصارت هذه البلاد مغنى الوحوش بعد أن كانت مغنى الإنس.

([35]) جلا: كشف، الطلول: جمع طلل، الزبر: جمع زبور وهو الكتاب، والزّبر الكتابة. والمعنى: كشفت السيول عن الأطلال التي غطاها التراب، فأشبهت ظهور السطور بعد دروسها.

([36]) حمرت الدابة أي صارت من السمن كالحمار بلادة، والعَمَد اسم لجمع عماد وعمود وهي الخشبة التي يقود عليها البيت.

([37]) حيث تجتمع، أو مجتمع الهموم.

([38]) الزميع هو الرجل الذي يُزمع الأمر ثم لا ينثني عنه، وزماعاً أي أسرعت.

([39]) نبات شُجيري ينبت في الرمل.

([40]) نزلت بها عند القائلة، وهو عند اشتداد الحر في منتصف النهار.

([41]) أي ثأراً.

([42]) أي سنين قحط أذهبت المال.

([43]) الأقدم.

([44]) الوتير اسم ماء لهم.

([45]) يشَم ماضيه شممتُ الطيب ونحوه. وهو من باب فرِح يفرَح، وفيه لغة أخرى من باب نصر ينصر.

([46]) السنان: نضل الرُّمح وكل ما يسنّ، والقسطل: غبار الحرب.

([47]) حائل والسهب والخبتان وعاقل: أسماء أماكن.

([48]) دودان قبيلة من بني أسد.

([49]) أي سناً؛ لأنهم حين كانوا يبتسمون له، كانوا يضمرون له غير ما يُظهرون من المودة.

([50]) أي أحق دارس ذاهب ببكائك الهمم التي درست وذهبت، فهي أولى بالبكاء من الأطلال.

([51]) غايتك.

([52]) الدهم: الخيل الكثيرة، والململمة الرداح: الكتيبة الضخمة.

([53]) عطاء اللئيم الدنيء.

([54]) القرف: كل شيء قشره، وقرف الخبز: ما قشر منه وبقي في التنور. والحتيّ: ما حُتَّ من الدَّوم، وهو ثُفْل التمر وقشوره.

([55]) السماد المتلبد، أو ما تبقى من آثار الناس والديار.

([56]) ضفا الشيء نما وكثر.

([57]) الروائح غيوم المساء والغوادي غيوم الصباح.

([58]) الحِدجُ مركب ليس برَحل ولا هودج تركبه نساء الأعراب.

([59]) الرند هو العود الذي يُتبخر به.

([60]) الجرشّى: النفْس.

بحث حول الايقاع الشعري

مفهوم الايقاع

الايقاع الشعري pd

بحث في الايقاع الشعر العربي الحديث

الايقاع في الشعر الجاهلي

الايقاع الشعري الداخلي والخارجي


NameEmailMessage